النظافة والطهارة في المسيحية ومن هي شفيعة النظافة؟
الطَّهَارَةُ فِي المَسِيحِيَّةِ هي شكل من أشكال التخلص من الأدناس، وهي على عدة أوجه: جسديّة، وروحيّة، وعقليّة، وأدبيّة. فجسديًا مطلوب من المؤمن المسيحي الاهتمام بنظافة بدنه، وفي مظهره الخارجي وفي نظافة ثيابه والاهتمام بالطيب والتعطر بالروائح العطرة، أما روحيًا فتعني الابتعاد عن النجاسة الروحيّة وهي الخطيئة حسب المفهوم المسيحي والتي تنبع من القلب ومصدرها القلب وحده حسب المفهوم المسيحي، أمّا من الناحية العقلية فهي اجتناب الأفكار النجسة مثل الاشتهاء.
الطهارة في الدين غسل جزء من أو كل الجسم ما يغطّيه، مثل الملابس بهدف التطهر، وهناك شكل آخر من التطهير، وهي الطهارة الروحية. ويُعتبر كل من طقس المعمودية وغسل الأرجل وغسل اليدين خلال القداس الإلهي وغسل اليدين والوجه قبل صلوات الساعات من طقوس الطهارة الجسدية والروحية في المسيحية. وفي زمن ترتليان، أحد آباء الكنيسة الأوائل، كان من المُعتاد أن يغسل المسيحيون أيديهم ووجوههم وأقدامهم قبل الصلاة أو الدخول إلى الكنيسة، وكذلك قبل تلقي القربان.
في الكتاب المقدس هنالك عدد من الآيات التي تحث وتدعو إلى النظافة الشخصية. منها على سبيل المثال حث بولس الطرسوسي في رسالته: «أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ» كذلك فإن الغسل واجب اجتماعي له أهميته، فضلًا عن غسل الجسم كله، وغسل الأيدي والأرجل. شجعت الديانة المسيحية على الاعتناء بالنظافة الشخصية، وفي بعض الطوائف المسيحية، تتضمن النظافة عددًا من اللوائح المتعلقة بالنظافة قبل الصلاة، بالإضافة إلى تلك المتعلقة بالنظام الغذائي والشكل الخارجي والملابس. كما وشكلت إيديولوجية النظافة والتقدّم الاجتماعي جزءًا من الفرائض للطوائف والمجتمعات المسيحيّة.
في الكتاب المقدس
مقتنيات كنسيّة تُستخدم في طقس غسل الكاهن يديه خلال القداس الإلهي.
القديسة فيرينا شفيعة النظافة الشخصية في الثقافة المسيحية الشعبيّة.
في الكتاب المقدس، خاصة في العهد القديم، هناك عدد من طقوس الطهارة المطلوبة والمتعلقة في الولادة، والحيض، والعلاقات الجنسية، والانبعاثات الليليّة، وسوائل الجسم غير العادية، وأمراض الجلد، والموت والذبائح الحيوانية.
تسمى شرائع الطهارة «بالشرائع الاجتماعية»، وهي متنوعة فمثلًا نظافة الأسنان والفم مطلوبة، وفي الفصل الثاني عشر من سفر اللاويين هناك تنظيم لقواعد الحبل والولادة وكيفية الطهور بعدها إذ إن المرأة الحامل والحائض تعتبر نجسة. كذلك مراسيم الطهارة بعد الجماع وبعد أي سائل آخر يخرج من الجسم والذي يُعتبر عملاً نجسًا يجب الطهر منه، بالإضافة إلى عادة غسل الميت وفيها يتم غسل جسده كاملًا ويرتدي قبل الدفن أفضل الملابس، يُذكر أن هذه العادة تأخذ حيّز هام لدى الكنائس المسيحية الشرقية.
وتنص شريعة العهد القديم على ضرورة الاغتسال للتطهر قبل تأدية فرائض دينية معينة، وبعد أي شيء يسبِّب النجاسة. وهناك ثلاثة أشكال للطهارة:
-
الحمام الطقوسي (مقفيه) وهو مكان مليء بالماء يستعمل من أجل الاستحمام التعبدي، ومن أجل الطهارة بعد الجماع، وللرجال في النوم أو الجماع، وللسيدات بعد الدورة الشهرية والولادة وللمتهودين.
-
غسل القدمين واليدين (للكهنة قبل أداء الفرائض في الهيكل).
-
غسل اليدين.
كما وتنص شريعة العهد القديم على ضرورة غسل اليدين قبل الأكل أو الصلاة، وبعد الاستيقاظ من النوم، وبعد زيارة المدافن أو دخول دورة المياه.
في المسيحية هناك عدة أوجه للنظافة : نظافة جسديَّة، وروحيَّة، وعقلية، وأدبية. فجسديًا مطلوب من المؤمن المسيحي الاهتمام بنظافة بدنه، وفي مظهره الخارجي وفي نظافة ثيابه والاهتمام بالطيب والتعطر بالروائح العطرة، أما روحيًا فتعنى الابتعاد عن النجاسة الروحية وهي الخطيئة حسب المفهوم المسيحي والتي تنبع من القلب ومصدرها القلب وحده حسب المفهوم المسيحي، أما من الناحية العقلية فهي اجتناب الأفكار النجسة مثل الاشتهاء فمثلًا قال يسوع: «وسمِعتُمْ أنّهُ قيلَ: لا تَزنِ. أمّا أنا فأقولُ لكُم: مَنْ نظَرَ إلى اَمرأةٍ لِيَشتَهيَها، زَنى بِها في قلبِهِ.».
طقوس الطهارة
طقس غسل الأرجل
المسيح يغسل أقدام الرسل، بريشة جيوتو دي بوندوني.
خلال العشاء الأخير، قام يسوع بغسل أرجل تلاميذه، حيث قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا، وصَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا، وقد انفرد إنجيل يوحنا بتفصيل ذلك الحدث، ويضيف على لسان يسوع، أن السبب الذي دفعه للقيام بغسل أرجلهم هو تقديم مثال بالتواضع وتبيان أهمية خدمة الآخرين والمساواة بين جميع الناس، وقد فسّرَ لهم ذلك بالقول: «إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ، إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ».
تعود جذور طقوس غسل الأرجل إلى الكتاب المقدس، واستمرت ممارسة الطقس حتى بعد وفاة رسل المسيح الاثنا عشر أو نهاية ما يسمى العصر الرسولي. ويبدو أن الطقس مُورس في القرون الأولى للمسيحية على سبيل المثال، يذكر ترتليان (145-220) الممارسة في مؤلفاته دي كورونا، ولكنه لا يعطي أي تفاصيل عن الجهة التي تمارس أو الطريقة التي كانت تُمارس بها. كما أن هناك بعض الوثائق تُشير إلى أن الجماعات المسيحية مارست الطقس في ميلانو حوالي سنة 380 للميلاد، كما تمت الإشارة إلى الطقس من قبل أوغسطين حوالي سنة 400 للميلاد. واستمر ممارسة طقس غسل الأرجل في وقت المعمودية في شمال أفريقيا، وفرنسا، وألمانيا، وميلانو، وشمال إيطاليا وأيرلندا. هناك بعض الأدلة المذكورة حول إحياء الهوسيين لهذه الممارسة.
كاهن من الكنيسة الرسولية الأرمنية يقوم بغسل أرجل المصلين في يوم خميس العهد.
تبنّت العديد من الكنائس المسيحية ممارسة طقس غسل الأرجل بناءً على الحدث المذكور في الكتاب المقدس واقتداء في يسوع. يرمز الطقس حسب التقاليد المسيحية إلى المحبة والتواضع ومبادئ العطاء، ولا يزال معظم الطوائف المسيحية تمارس الطقس بشكل خاص في يوم خميس العهد في كثير من الأحيان في هذه الخدمات، يقوم الأسقف أو رجال الدين أو رؤساء الأديرة في عملية غسل الأرجل. وقد مارست مجموعات كثيرة عبر تاريخ المسيحية غسل الأقدام بطريقة حرفية كفريضة كنسية. حتى عام 1818 مارست الكنيسة المورافية غسل الأقدام كفريضة في إجتماعات الكنيسة.
تطور طقس غسل الأرجل لتتبناه الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، غير أن البابا فرنسيس عام 2013 أدخل بعض التعديلات على هذه الطقوس، حيث كسر قاعدة اعتمادها بالنسبة للرجال فقط، وأباح غسل أرجل النساء بنفس الطريقة، كتقليد جديد. وخلال حبريته قام البابا بغسل الأقدام في أماكن مثل السجون والمستشفيات ودور التقاعد أو الأحياء الفقيرة. وتقليدياً كان البابا يقوم بممارسة الطقس في كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني، في الغالب على اثنا عشر شخصاً في إشارة رمزية إلي رسل المسيح الاثنا عشر الذين حضروا العشاء الأخير ليسوع. تمارس العديد من الكنائس المعمدانيّة طقس غسل الأرجل كفريضة دينية بشكل منتظم، إلى جانب العديد من المجموعات البروتستانتية بما في ذلك الأدفنتست، والطوائف الخمسينية وبعض القائلون بتجديدية العماد مثل الأميش والمينونات. كما أنّ طقس غسل الأرجل هو من الفرائض الدينية في شرائع الرهبانية الأوغسطينية والبندكتية والتي ضمت أيضاً على شرائع خاصة بطقوس الطهارة. تاريخيًا إشترك معظم ملوك أوروبا في طقوس غسل الأرجل المُقامة في البلاط الملكي يوم خميس العهد، وهي ممارسة استمرت من قِبل إمبراطور الإمبراطورية النمساوية المجرية وملك إسبانيا والعائلة المالكة البريطانية.
غسل اليدين خلال الإفخارستيا
حوض وضوء في كنيسة إسبانيّة يعود للقرن الثاني العشر.
في الكنائس القديمة والكنائس الرومانية الكاثوليكية الحديثة، هناك عدد من أحواض الوضوء المخصصة للعلمانيين لاستخدامات رمزيّة وطقسيّة ترمز إلى تطهير النفس، حيث يقوم المؤمن عادًة بغمس الأصابع في الماء المقدس، ومن ثم القيام بعلامة الصليب. تحوي الكنائس التقليديّة على أحواض الوضوء والتي تكون في أغلب الأحيان جزءًا لا يتجزأ من جدار الكنيسة، ويسخدم الكاهن والشماس حوض الوضوء لغسل أيديهم قبل القداس.
بُنيت في العديد من الكنائس القديمة والأديرة نوافير كبيرة في الفناء من أجل طقوس الطهارة. حيث كان التقليد المتبع بين المسيحيين آنذاك الغسل قبل الدخول إلى الكنيسة للعبادة. شُرّع هذا الطقس في قوانين رهبانيّة بندكت النيرسي، ونتيجة لذلك تم بناء العديد من أحواض الوضوء في أديرة العصور الوسطى. كما يذكر كل من يوحنا فم الذهب وكيرلس الأورشليمي في مؤلفاتهم طقس غسل المسيحيين أيديهم قبل الدخول إلى الكنيسة للعبادة.
في الطقس الرومانّي والغلياني وفي التقاليد المسيحية الغربية عمومًا يغسل الكاهن يديه عند قبل تلاوة طقس الأفخارستيا، كذلك الأمر في الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنائس الكاثوليكية الشرقية؛ بالمقابل في التقاليد الأرثوذكسية المشرقية مثل الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية يغسل الكاهن يديه بعد تلاوة قانون الإيمان. قبل صلوات الساعات (أجبية) وهي سبع صلوات تُقام على مدار اليوم من الفجر وحتى الغروب، يقوم الأرثوذكس المشرقيون مثل أتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنيسة مالنكارا السريانيَّة الأرثوذكسية وكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية بغسل أيديهم ووجوههم وأقدامهم.
المعمودية
المعمودية هي طقس مسيحي يمثل دخول الإنسان الحياة المسيحية. تتمثل المعمودية باغتسال المعمّد بالماء بطريقة أو بأخرى. ويعتبر سر المعمودية أحد الأسرار السبعة المقدسة في الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية. ويُعتبر طقس المعمودية، شكل من أشكال طقوس الوضوء والطهارة في المسيحية.
تعتبر الطوائف المسيحية الشرقية أن المعمودية لا تصح إلا بتغطيس الإنسان كاملا تحت الماء لأنها تشير إلى أن المعتمد بحسب التقاليد المسيحيّة دُفن مع يسوع وقام معه بناءً على الآية القائلة: «أمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ». أو بتغطيسه ثلاث مرات على اسم الثالوث الأقدس وليس مرة واحدة. في حين تكتفي الطوائف المسيحية الغربية برش الماء على الوجه، لأنّ المقصود من وضع الماء هو الإشارة إلى غسل الروح القدس. يعتبر بعض المسيحيين من البروتستانت مثل الكنيسة المعمدانية وتجديدية العماد أنه لا لزوم لتعميد الأطفال وأنّ الاعتماد للمؤمنين فقط، أي الذين تعدوا مرحلة الطفولة وبلغوا سن الرشد، بحيث يمكن لهم فهم الخلاص والاعتراف بالتوبة بحسب المعتقدات المسيحية. بالرغم من وجود أقليّة ترفض معمودية الأطفال الّا أنّ أغلبية المسيحيين تعتبر معمودية الصغار واجبة ما داموا أطفالاً لمؤمنين. وذلك علامة على الميثاق بين الله وبينهم بحسب المعتقدات المسيحيّة. استنادًا للمعتقدات المسيحية يعتبر العماد ختم أبدي وبالتالي كل شخص نال سر المعمودية يبقى مسيحيًا حتى الممات.
وقد فسّر العلماء المسيحيون التعميد عن طريق غمر الجسد أو قسم منه بالماء ضمن طقوس كنسيّة، عبر ربطهم المياه بخلق الحياة، فقد جاء في سفر التكوين: «وَقَالَ اللهُ: “لِتَفِضِ الْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ الارْضِ…”» وجاء أيضاً في وصف الأرض قبل الخليقة: «وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ»، وقال المفسّرون أنّ الحياة خرجت من الماء على هذا الشكل، وأنّ هناك ربطًا ما بين الماء وروح الله. ويستند المسيحيّون إلى ما ورد في إنجيل يوحنا من أنّ التعميد بالمياه ضروري للميلاد الثاني، أي دخول الشخص في المسيحية، فقد ورد في هذا المجال: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ»، وفسّر العلماء ذلك بأنّ الولادة المذكورة هنا إنّما ذكرت صراحة وليس رمزيّاً. كذلك، يعدّ التبرّك بالماء المقدّس من الأمور ذات الأهمّيّة والمكانة عند أغلب الكنائس المسيحيّة.
غسل اليدين والوجه والقدمين قبل الصلاة
كانثار دير لافرا الكبير في اليونان.
بزمن ترتليان، أحد آباء الكنيسة الأوائل، كان من المُعتاد أن يغسل المسيحيون أيديهم (باللاتينيَّة: manulavium، نقحرة: مانولافيوم) ووجههم (باللاتينيَّة: capitilavium، نقحرة: كابيتيلافيوم) وأقدامهم (باللاتينيَّة: pedilavium، نقحرة: بيدلافيوم) قبل الصلاة أو الدخول إلى الكنيسة، وكذلك قبل تلقي القربان. وهكذا بُنيت الكنائس منذ عهد قسطنطين العظيم مع ردهة تضم نافورة الكانثار حيث يغسل المسيحيون أيديهم ووجوههم وأقدامهم قبل دخول الكنيسة. ممارسة الغسل قبل الصلاة والعبادة في المسيحية ترمز إلى «الانفصال عن خطايا الروح والاستسلام للرب» وفقاً لتعاليم الكنيسة. سجلّ المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري هذه الممارسة للكانثار الواقعة في باحات الكنائس، حيث يغتسل المؤمنون قبل دخولهم دار العبادة المسيحية. وتعود أصول هذه الممارسة إلى الممارسة اليهودية للغسل قبل الدخول في حضرة الله المذكورة في سفر الخروج، حيث كان على هارون وأبناؤه أن يغتسلوا قبل الاقتراب من المذبح. وهنا يتم استخدام الماء كرمز للطهارة والكفارة. على الرغم من أن الكانثار لم تعد منتشرة في الكنائس المسيحية الغربية، إلا أنها موجودة في الكنائس المسيحية الشرقية والمشرقيَّة، في العديد من الكنائس الأرثوذكسية اليوم.
الكانثار هو ينبوع يستخدمه المسيحيون للغسل قبل دخول الكنيسة. وتشمل طقوس الوضوء غسل كل من اليدين والوجه والقدمين. ويقع الكنثار تقليدياً في الجزء الخارجي من الكنيسة. ويجب أن تكون المياه المنبعثة من الكانثار مياهًا جارية. وكانت هذه الممارسة جزءًا من حياة الكنيسة الأولى، لدرجة أنه في الفترة التي تلت قسطنطين، أصبحت «الكانثار»، أو نافورة المياه، عنصرًا أساسيًا إلى مجاز الكنيسة للسماح للمؤمنين بتطهير أنفسهم قبل الدخول في «محضر الله» بحسب المعتقدات المسيحيَّة.
غسل الميّت
عندما يموت أحد رعايا الكنائس المسيحية الشرقية، يتم غسل جسد الميت كاملًا وإلباسه قَبل الدفن أفضل الملابس وتعطره بالروائح الطيبّة. في الغالب الأسرة والأقرباء هم من يقوم بغسل الميّت حسب التقاليد المسيحية الشرقية. في حالة موت كاهن أو أسقف يتم تنفيذ غسل الميت من قبل رجال الدين أو الرهبان، وفي حالة موت راهبة، فإن الراهبات اللواتي أقمن معها في نفس الدير من يقومن في غسل جسدها.
في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، إلى جانب غسل جسد الميت كاملًا وهو تقليد تقوم به أسرة وأقارب الميت، يتم الصلاة على الميت وطلب الغفران على روحه، حيث تُعتبر هذه الصلوات طهارة رمزية للجسم المتوفى، وبعد نهاية الصلاة يرش الكاهن الماء المقدس على التابوت.
تاريخ
العصور المبكرة
حمامات سالونيك البيزنطيَّة في
اليونان؛ حثّت الكنيسة على نظافة البدن.
في الكتاب المقدس، خاصةً في العهد القديم، هناك عدد من طقوس الطهارة المطلوبة والمتعلقة في الولادة، والحيض، والعلاقات الجنسية، والانبعاثات الليليّة، وسوائل الجسم غير العادية، وأمراض الجلد، والموت والذبائح الحيوانية. في سفر اللاويين، ينتقل الفصل الثاني عشر لتنظيم قواعد الحبل والولادة وكيفية الطهور بعدها إذ إن المرأة الحامل والحائض تعتبر نجسة. كذلك يتطرق السفر إلى مراسيم الطهارة بعد الجماع وبعد أي سائل آخر يخرج من الجسم والذي يُعتبر عملاً نجسًا يجب الطهر منه. وكان يُستخدم الميكفاه في الكتاب المقدس من أجل الاستحمام التعبدي.
بزمن ترتليان، أحد آباء الكنيسة الأوائل، كان من المُعتاد أن يغسل المسيحيون أيديهم (باللاتينيَّة: manulavium، نقحرة: مانولافيوم) ووجههم (باللاتينيَّة: capitilavium، نقحرة: كابيتيلافيوم) وأقدامهم (باللاتينيَّة: pedilavium، نقحرة: بيدلافيوم) قبل الصلاة أو الدخول إلى الكنيسة، وكذلك قبل تلقي القربان. وهكذا بُنيت الكنائس منذ عهد قسطنطين العظيم مع ردهة تضم نافورة الكانثار حيث يغسل المسيحيون أيديهم ووجوههم وأقدامهم قبل دخول الكنيسة. وترمز ممارسة الغسل قبل الصلاة والعبادة في المسيحية إلى «الانفصال عن خطايا الروح والاستسلام للرب» وفقاً لتعاليم الكنيسة. كما وسجلّ المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري هذه الممارسة للكانثار الواقعة في باحات الكنائس، حيث يغتسل المؤمنون قبل دخولهم دار العبادة المسيحية. دافع بعض آباء الكنيسة عن إقصاء النساء خلال فترة الحيض من دخول الكنائس على أساس فكرة النجاسة.
حثَّ اللاهوتي كيرلس الأورشليمي على الاهتمام والإستحمام، وأشار إلى أن يسوع كان يتردد على الحمامات العامة في القدس من أجل الإسترخاء. وكان يعتبر الإستحمام عادة جيدة للصحة. وأعتبر بندكت النيرسي الإستحمام علاجًا صحيًا وكان ترتليان يتردد على الحمامات العامة، وفي حين نددَّ إكليمندس الإسكندري على التجاوزات الأخلاقية التي قد تحدث في الحمامات، الأ أنه حث أتباعه على الإستحمام كعادة تساهم على الصحة الجيدة والنظافة من خلال تقديمه لمبادئ توجيهية للمسيحيين الذين يرغبون في الذهاب إلى الحمامات العامة. وتتضمن الديدسكاليا أحد مصادر التشريع المسيحي إرشادات موجهة خاصة إلى الأزواج والزوجات، وتُحذّر من الآداب الوثنية والاختلاط بين الرجال والنساء في الحمامات العامة، وتَحُثَ الديدسكاليا المسيحيين على الإستحمام كعادة تساهم على الصحة الجيدة والنظافة، وتُقدم مبادئ توجيهية للمسيحيين الذين يرغبون في الذهاب إلى الحمامات العامة.
مجمع حمامات أجكيسترو في اليونان، ويعود تاريخه إلى العصر البيزنطي.
تفرض كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية إلى جانب كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإريترية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية شريعة الختان للذكور وتُعطيه بُعد ديني. في التقاليد الأرثوذكسية المشرقية القديمة يقوم أتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنيسة مالنكارا السريانيَّة الأرثوذكسية وكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية بغسل أيديهم ووجوههم وأقدامهم قبل صلوات الساعات (أجبية)؛ وهي سبع صلوات تُقام على مدار اليوم من الفجر وحتى الغروب.
خلال عصر الإمبراطورية البيزنطية بُنِيَت العديد من الحمامات العامة من أجل النظافة؛ وتم بناء حمامات عامة كبيرة في المراكز الحضرية البيزنطية مثل القسطنطينية وأنطاكية، وتبعت هذه الحمامات الهيكليَّة الأصليَّة والنموذجيَّة للحمامات الرومانية، والتي كان فيها حمام ساخن في كل الغرف. لكن على خلاف الحمامات الرومانية تم بناء أقسام منفصلة بين الرجال والنساء تأثرًا بالأخلاقيات المسيحيَّة. وأشتهرت مدينة القسطنطينية في حماماتها الشعبيَّة الفاخرة مثل حمامات زاكبيكوس. ومنذ أوائل العصور الوسطى بَنيت الكنيسة حمامات عامة للإستحمام تفصل بين الرجال والنساء بالقرب من الأديرة ومواقع الحج المسيحيَّة. بحسب التقاليد المسيحية تعتبر القديسة فيرينا شفيعة النظافة الشخصية؛ حيث وفقًا للتقاليد المسيحيَّة علّمت فيرونا أهل سويسرا النظافة، منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا.
العصور الوسطى
حمامات تفليس، في
جورجيا؛ تحث المسيحيَّة على الاعتناء بالنظافة الشخصيَّة وعادة الاستحمام.
خلال العصور الوسطى عُرفت الأديرة باتباعها معايير عالية من النظافة، فقد فُرض على الرهبان الإستحمام بالإضافة إلى غسل الأرجل والشعر يوميًا، وهو من الطقوس المهمة في نظام القديس بينديكت، حيث إحتوت قواعد الجماعات الدينية الكاثوليكية مثل الرهبنة الأوغسطينية والبندكتية على طقوس طهارة. وفقاً للباحث إيان برادلي، شجعّ بندكت النيرسي على ممارسة الاستحمام العلاجي؛ واستلهاماً من تعاليمه لعب الرهبان البينديكتين دوراً في تطوير وتعزيز المنتجعات الصحية. كذلك فقد حثّ البابا غريغوري الأول عامة الشعب على الاهتمام بالنظافة الشخصية والاستحمام خاصةً عشية يوم السبت ويوم الأحد، إذ أعتبر النظافة حاجة لاحتياجات البدن. وبينما نددَّت وحظرّت سلطات الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الحمامات العامة مختلطة الجنسين، والتي نظرت إليها بريبة بسبب سمعتها وارتباطها بالدعارة وكإجراء وقائي لمنع انتشار مرض الزهريّ، الا أنَّ هذا لم يمنع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية من حث أتباعها للذهاب إلى الحمامات العامَّة منفصلة الجنسين أو الخاصة للإستحمام من أجل النظافة والصحة.
واصل الباباوات بناء الحمامات العامة الواقعة داخل كنائس البازيليكا والأديرة منذ أوائل العصور الوسطى. وخصصَّ الباباوات لأهل روما حمامات عامة في الدياكونيا (باللاتينيَّة: Diaconia)، أو في حمامات قصر لاتيرانو الخاصة، أو حتى في عدد لا يحصى من الحمامات الرهبانية التي كانت تعمل في القرنين الثامن والتاسع. كما وحافظ الباباوات على ثقافة الحمامات المُترفة في مساكنهم، ودُمجت الحمامات العامة بما في ذلك الحمامات الساخنة في مباني الكنيسة المسيحيَّة أو تلك الموجودة في الأديرة، والتي كانت تُعرف باسم «الحمامات الخيرية» بسبب خدمتها لرجال الدين والفقراء المحتاجين. وبنى العديد من البابوات حمامات في بلدة فيتيربو والتي دُعيت لاحقًا باسم «حمامات البابوات» (بالإيطاليَّة: Terme dei Papi)، ويُعد «حمام البابا» (بالإيطاليَّة: Bagno del Papa) الذي بُني خلال حبريَّة البابا نقولا الخامس في القرن الخامس عشر أبرزها وأفخمها، وقد وصفه نيكولا ديلا توتشيا بأنه مبنى متشابك، يشبه القلعة مع أبراج عالية في زوايا الواجهة الجنوبية.
في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، كان الاستحمام ضروريًا للطبقة العليا في أوروبا الغربية: كانت أديرة كلونياك التي لجأوا إليها مزودة دائمًا بحمامات ساخنة، وحتى الرهبان كانوا مطالبين بأخذ حمامات غطس كاملة. على عكس الصورة النمطية الخاطئة المتواجدة اليوم حول العصور الوسطى؛ فقد كان الإستحمام خلال العصور الوسطى منتشراً في المجتمعات الأوروبية، خاصًة في الصباح كما أنّ الصابون كان منتشرًا. كما لم تفقد أوروبا مظاهر الاستحمام والصرف الصحي مع انهيار الإمبراطورية الرومانية. كانت الحمامات العامة شائعة في المدن والبلدات الكبرى في العالم المسيحي القرسوطي مثل باريس وريغنسبورغ ونابولي، وتُشير وثائق تاريخية إلى وجود اثنان وثلاثون حماماً عاماً في مدينة باريس بالقرن الثالث عشر. كما وتواجدت الحمامات العامة وثقافتها في إيطاليا، وألمانيا، والمجر، وروسيا، وفنلندا وغيرها من الدول خلال العصور الوسطى. وبُنيت الحمامات العامة والتي دُعيت (بالإسبانيَّة: Baño) في مختلف مدن إسبانيا المسيحيَّة، وفرَضت القوانين الحضرية على الرجال والنساء، المسيحيون واليهود، بزيارة الحمامات العامة للإستحمام في أوقات مختلفة ومنفصلة. بالإضافة إلى ذلك، خلال عصر النهضة والإصلاح البروتستانتي، كان يعتقد أن نوعية وحالة الملابس تعكس روح الفرد، وكانت تعكس الملابس النظيفة أيضَا الوضع الاجتماعي للفرد. وظلّت ثقافة الساونا ظاهرة شائعة في فنلندا والدول الإسكندنافيَّة.
«حمام البابا» في مدينة فيتيربو: بُني خلال حبريَّة البابا نقولا الخامس.
أصبحت صناعة الصابون في البداية تجارة راسخة خلال ما يُسمى بـ «العصور المظلمة». استخدم الرومان الزيوت المعطرة (معظمها من مصر)، من بين بدائل أخرى. بحلول القرن الخامس عشر، أصبحت صناعة الصابون في العالم المسيحي شبه صناعية، مع وجود مراكز لها في أنتويرب وقشتالة ومارسيليا ونابولي والبندقية.
منذ العصور الوسطى ظهرت في التقاليد المسيحية الشرقية وخاصًة الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية مظاهر الغطس والإستحمام خلال عيد الظهور الإلهي أو عيد الغطاس وأحد الشعانين؛ حيث أنّ من مظاهر العيد في المجتمعات والدول ذات الطابع الأرثوذكسي مثل روسيا وبلغاريا واليونان والقسطنطينية الغطس في بِرك المياه المتجمدة والتي غالباً ما تكون على شكل صليب مسيحي. اذ يَرمز العيد ومظاهره إلى التطهر من الخطايا وغَسلها. وتشير العديد من المصادر التاريخية أنه في عصور الدولة العباسية والدولة الفاطمية كان العديد من المسلمين يُشاركون المسيحيين في الاحتفال بالأعياد المسيحية كعيد الغطاس وأحد الشعانين، ويقومون أيضًا بطقوس الغطس في البرك المخصصة للمناسبة جنبًا إلى جنب المسيحيين الشرقيين.
العصور الحديثة
روسي أرثوذكسي يُمارس طقس الغطس التقليدي في حمّام الغطاس.
وفقاً لباحثين ومؤرخين إحدى أبرز المساهمات التي قامت بها البعثات التبشيريَّة المسيحية في أفريقيا، والصين، وغواتيمالا، والهند، وإندونيسيا، وكوريا، وأماكن أخرى كانت تطوير رعاية صحية أفضل من من خلال نشر ثقافة النظافة الشخصية وإدخال ثقافة الصابون وتوزيعه بين السكان بالإضافة إلى فرشان ومعجون الأسنان وخيط الأسنان، ووفقاً للباحث جون توماس كامينغز من جامعة ديوك «أصبحت النظافة علامة مهمة على كونك مسيحيًا» في هذه المناطق. ووفقاً للباحثة كيدرون توماس من جامعة ديلاوير كانت «النظافة المسيحية» جزءاً مهماً ودائمًا في مشروع التحديث من قبل البعثات التبشيريَّة المسيحية.
في الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية يصوم المؤمنون بعد منتصف الليل و«يُحرِّم الاتصال الجنسي في الليلة التي تسبق المناولة». كما ولا يُسمح للنساء المسيحيات الأرثوذكسيات بالحصول على المناولة أثناء فترة الحيض، هذه الممارسة شائعة إلى حد ما في جميع أنحاء اليونان وروسيا ودول مسيحية أرثوذكسية أخرى، وكذلك من قبل المسيحيين الأرثوذكس في البلدان التي يمثلون فيها أقليَّة، بما في ذلك مصر والهند وسوريا وتركيا. أثرَّت المسيحية بشدة على تطوير الآبار المقدسة في أوروبا والشرق الأوسط، ومياهها معروفة بخصائصها العلاجية.
عقيدة النظافة من الإيمان
جيش الخلاص خلال حملة تبرّعات، كان للمنظمة دور في نشر والتوعية عن النظافة الشخصية.
بحلول القرن التاسع عشر تبنّت عدد من الحركات المسيحية نشر والتوعية عن النظافة الشخصية خاصًة خلال الثورة الصناعية، وذلك من خلال عقيدة النظافة من الإيمان، ومنها حركات الإنجيل الاجتماعي، ولعلّ أبرز هذه الحركات «جيش الخلاص» الذي شكَّله الزوجين وليم وكاثرين بوث، وقد كان لهم دور في نشر والتوعية عن النظافة الشخصية؛ ونقلًا عن كتاب الصحة والطب في التعاليم الانجيلية كان أحد شعاراتهم الأبكر: «الصابون، الحساء، والخلاص». فضلًا عن تشديدهم على الإستحمام خاصًة عشية يوم السبت ويوم الأحد تحضيرًا للقداس وتقديمهم وإنتاج منتجات خاصة بالنظافة الشخصيّة، مثل فرشاة الأسنان ومعجون الأسنان والصابون وشكلَّت الطبقات الوسطى الإنجليزية المتمدنة أيديولوجية النظافة المصنفة جنبًا إلى جنب مع المفاهيم الفيكتورية النموذجية مثل المسيحية والاحترام والتقدم الاجتماعي.
من الشخصيات التي برزت في هذه الفترة أيضًا فلورنس نايتينجيل وهي قديسة في الكنيسة الأنجليكانية، فقد اهتمت فلورنس بالنظافة وقواعد التطهير، وبتمريض الصحة العامة في المجتمع وتعتبر أول من وضع قواعد للتمريض الحديث وأسس لتعليم التمريض ووضعت مستويات للخدمات التمريضية والخدمات الإدارية في المستشفيات. كما ساعدت البعثات التبشيريَّة المسيحيَّة في تطبيق ممارسة النظافة وتشجيعها في الهند، ويظهر ذلك في نمط حياة المجتمعات الهندية المسيحية، على سبيل المثال أعلنت مجلة «اكتشف الهند» قرية ماولينّونغ المسيحيَّة الواقعة في ميغالايا، أنها أنظف القرى في آسيا عام 2003، والأنظف في الهند عام 2005. ووفقاً للباحث جون توماس كامينغز من جامعة ديوك «أصبحت النظافة علامة مهمة على كونك مسيحيًا» في المناطق التي عملت فيها البعثات التبشيرية المسيحية.
من الموروثات المسيحية حول العادات الصحية والنظافة، المثل الشعبي «النظافة من الإيمان» (بالإنجليزية:Cleanliness Is Next To Godliness)، الذي أطلقه القس البروتستانتي جون ويزلي مؤسس الميثودية خلال إحدى عظاته الدينية. يُذكر أنّ ويزلي عُرف بتأكيده على النظافة والصحة والعيش البسيط، كما اعتبر رائدًا للطب الوقائي. وقد وصفة كتاب أمايزينغ جون ويزلي: «بالمحارب الأعظم من أجل النظافة، والمرّبي الصحيّ الأكبر في بريطانيا القرن الثامن عشر. » و«من الشخصيات الأبرز في العالم المسيحي التي شاركت في نشر مبدأ وممارسة النظافة الشخصية والطب الحديث والصحة الجسديّة والعقليّة.
القديسة فيرينا.. شفيعة النظافة علمت أوروبا النظافة الشخصية

يعتبرها كثير من المؤرخين أم_الراهبات في أوروبا، توفيت سنة 344 ميلادية، وبنيت كنيسة فوق قبرها في مدينة تمبورتاخ فيسويسرا، ولها 70 كنيسة في سويسرا، و30 كنيسة في ألمانيا تحمل اسمها.
هي القديسة “فيرينا”Verena ومعنى اسمها بالقبطية “البذرة الطيبة”، وهي من بلدة جراجوس بالقرب من الأقصر وترسم أيقوناتها دائماً بشكل فريد، ففي إحدى يديها جرة ماء وفي الثانية مشط، لأنها هي التي علمت شعوب الجرمان والغاليين وهم “الهمج وقتها” أصول النظافة الشخصية والتداوي بالأعشاب، ونجحت بالحب والتفاني فيما فشلت فيه سيوف الرومان بأن تجتذب الشعوب الجرمانية الوثنية القاسية إلى الحضارة والإيمان بالله.
القديسة فيرينا
القديسة فيرينا صعيدية تنتمي إلى قرية جراجوس بمركز قوص بقنا، ولعل معنى اسمها كان له أثر كبير في مشوار حياتها، فـفيرينا تعني ‘ثمرة طيبة’’، وهي كانت بالفعل ثمرة في حياة كل من عرفتهم، نشأت في بلاد طيبة، عاصمة مصر القديمة، كأي فتاة وسط أهلها خلال القرن الرابع الميلادي، حتى طلب الإمبراطور ماكسيميان، إمبراطور الغرب، كتيبة من مصر لرعاية جرحى أوروبا.
كانت خبرتها الطبية وعلمها بقواعد التمريض، سببا في انضمامها للبعثة الطبية، نسبة إلى طيبة، التي تكونت من جنود وممرضات وترأسهم القائد موريس، وذهبت البعثة إلى أوروبا لكنها قبل أن تُكمل طريقها راحت فداءً للمسيحية، حيث طلب منهم الإمبراطور ماكسيميان عبادة الأوثان والتخلي عن دينهم، وعندما رفضوا فقتل الجنود وسرح الممرضات.
كانت هذه البعثة بمثابة نقطة التحول في حياة فيرينا وأهل سويسرا، فبعد أن قتل الإمبراطور جنود البعثة، قررت فيرينا البقاء في سويسرا وعدم الذهاب إلى مصر، فاعتكفت هي والممرضات فى كهف ضيق بشمال سويسرا.
مسيرة القديسة فيرينا
“فيرينا” كانت قبطية عذراء، من الفتيات المصاحبات للكتيبة لإعداد الطعام وعلاج الجرحى، ورغم أنها شاهدت المذبحة التي وقعت لأهلها إلا أنها هربت وبقيت في أرض الغربة، فسكنت أحد الكهوف، وأخذت تعلم أهل بلاد الغال الوثنيين قواعد النظافة الشخصية والعلاج بالأعشاب الطبية.
كما أنها كانت على معرفة واسعة بأصول الطب القديم الموروث من أيام الفراعنة، وهو ما أعانها على مساعدة المرضى. كانت خبرتها الطبية وعلمها بقواعد التمريض، سببا في انضمامها للبعثة الطبية، نسبة إلى طيبة، التي تكونت من جنود وممرضات وترأسهم القائد موريس، وذهبت البعثة إلى أوروبا لكنها قبل أن تُكمل طريقها راحت فداءً للمسيحية، حيث طلب منهم الإمبراطور ماكسيميان عبادة الأوثان والتخلي عن دينهم، وعندما رفضوا فقتل الجنود وسرح الممرضات.
أثناء تجولها في إحدى مدن سويسرا، لاحظت فيرينا جهل السكان بالمبادىء الأساسية للنظافة والقواعد الصحية، فقامت بدور المعلم في البلدة، وعلمت أهل سويسرا النظافة الجسدية والطهارة وتسريح الشعر والاستحمام والاهتمام بالنفس، وعُرفت بينهم بـ ‘‘صاحبة الفلاية الفرعونية’’، حيث استخدمت موروثها الفرعوني في مجال النظافة ونشرت بينهم ثقافة استخدام المشط المزدوج ‘‘الفلاية’’ لتصفيف شعورهم، وقتل حشرات الرأس كما نشرت بين الفتيات السويسريات ثقافة المحافظة على عفتهن.
استثمرت فيرينا خبرتها الطبية فى علاج المرضى، فكانت تعلم أسس التمريض وفوائد استخدام الأعشاب وعمل العقاقير منها، واعتبروها شفيعة للمرضى لأنها عالجت مرضى الجزام.
لم يكن مصدر رزقها يعتمد على التمريض، فهي قامت بتلك الأعمال الخدمية طواعية دون مقابل، لكنها اعتمدت على خبرتها في حياكة الملابس وعلمها بفن التطريز، فساعدتها امرأة عجوز سويسرية، على بيع عمل يديها وشراء الطعام وللممرضات معها، وبدأ الأهالي يتعرفون عليها وتعلمت لغتهم حتى أجادتها.
اشتهرت بينهم بصلواتها وإيمانها وأعمالها الخيرية، فتوافد على كهفها سكان المنطقة، وانتشرت في تلك الفترة القبائل الجيرمانية التي تعبد الأصنام، لكنهم بعد أن رأوا فيرينا بدأوا يسألوا عن الآله الذي تعبده، فقررت نشر تعاليم المسيحية فى تلك المنطقة.
وتقول عنها أدبيات الكنيسة_المصرية: “لقد قابلت الإساءة بالمحبة، والدم بالتضحية، فمنحها الله لمسة شافية، وكانت سبباً في بدء التبشير بالميسيحية بين أهالي المنطقة. لقد انتصر الحب على السيف، ودم الشهداء على صلف الملوك، وما فشلت فيه سيوف القيصر نجحت فيه جرة “فيرينا” ومشطها”.
مراجع
- ^ تعدى إلى الأعلى ل:ا ب ج كورنثوس الثانية 7/1
- ^ تعدى إلى الأعلى ل:ا ب يعقوب 27/1
- ^ تعدى إلى الأعلى ل:ا ب نشيد الانشاد 11/4
- ^ تعدى إلى الأعلى ل:ا ب كورنثوس الثانية 17/6
- ^ تعدى إلى الأعلى ل:ا ب متى 28/5
- ^ تعدى إلى الأعلى ل:ا ب مرقس 7: 20-23
- ^ “ablution.” ReligionWriters.com (Stylebook A) 2009. 28 Jun. 2009 Ablution in Christianity نسخة محفوظة 03 أبريل 2018 على موقع واي باك مشين.
- ^ تعدى إلى الأعلى ل:ا ب ج Mary Cecil, 2nd Baroness Amherst of Hackney (1906). A Sketch of Egyptian History from the Earliest Times to the Present Day (بالإنجليزية). Methuen. p. 399.

















