
ما هي كنيسةُ الحـَقِّ؟
“قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «مَا هُوَ الْحَقُّ؟». وَلَمَّا قَالَ هذَا خَرَجَ أَيْضًا إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً” (يو 18: 38).
لكن، بيلاطس أَسْلَمَ يسوع إلى أَيْدِي اليهود، أَسْلَمَهُ للصَّلْبِ والموت. لم يكن مستعدًّا أن يخسَرَ شيئًا من أجل “الحقّ”، لأنّ “روح الحقِّ” لم يكن ساكِنًا فيه بل التّمَسُّك بروح سلطان العالم. كان لا يريد أن يتحمَّل مسؤوليَّة الحقّ، فغسل يَدَيْهِ ليرفَعَ عنه الذَّنْبَ، في نَظَرِه، فيكون “بريئًا من دم هذا الصِّدِّيق” (مت 27: 24). هل تبرَّأ حقًّا؟!…
“وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ” (يو 14: 16 و17).
المؤمنونَ بالمسيحِ سَكَنَ فيهِم روحُهُ القُدُّوس. صارُوا هيكلَ اللهِ وكلمَتَهُ المَنْطُوقَة بروحِه… صارُوا مِنَ “الحقّ”، لأنّ “الحقّ” صارَ حياتَهُم. وإذا كانَ الحقُّ غير مقبول، وروحه أيضًا، فهل أبناءُ الحقِّ مقبولونَ من العالم؟!… لكن، هم ليسوا يائِسِين بل هم أبناء الرَّجاء…
“أيُّهَا المَلِكُ السَّمَاوِيُّ المُعَزِّي روحُ الحقِّ…”. دُعاءٌ وابْتِهَالٌ نَبْدَأُ به كلّ صلواتنا، لأنَّ العبادة يجب أن تـكـون “بـالـرُّوح والـحـقّ” (أنظر يو 4: 23 و24)، وإلَّا اسْتَحَالَت عبادَة باطِل… وما أكثر ما يَخدَعُ الإنسانُ نفسَه في علاقتِه مع اللهِ ظانًّا أنَّه يعبُدُه في البِرِّ والتَّقْوَى، ولكنَّهُ يكونُ هارِبًا من وَجْهِ اللهِ في وَجْهِ إلهٍ يخترِعُه جُبْنُه، إذ يُخْفِقُ في وَضْعِ الحَقِّ فوق كلِّ اعتبارٍ وفوقَ كلِّ إنسانٍ وخوف…
“وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ” (يو 3: 21). مَنْ يُؤْمِنُ بالمسيحِ حَقَّانِيًّا، يُغَلِّبُ كلمةَ المسيحِ على كلِّ نِيَّةً ومَيْلٍ، لَدَيْهِ، يَأْتِيَانِ مِنْ حِكمةِ هذا العالمِ ومِنْ حساباتِه… الرَّبُّ هو السَّيِّدُ، وهو قادِرٌ أن يُجرِيَ كَلِمَتَهُ. لكن، “وَيْلٌ لِمَنْ تَأْتِي عَنْ يَدِهِ العَثَرَات…” (أنظر مت 18: 7 ولو 17: 1).
“وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ” (يو 8: 32).
يُرْضِي اللهَ مَنْ كانَ مِنَ الحَقِّ، أي مَنْ كانَ حُرًّا بالحقِّ وفيه. وَمْن كانَ مِنَ الحقِّ هو الَّذي يَفحَصُ أعماقَهُ على الدَّوامِ في ضَوْءِ الكلمةِ الإلهيَّة. وَمَنْ كانَ كذلك، أَبْصَرَ النَّاسُ نورَهُ وأَحَبُّوا أعمالَهُ لأنَّهَا “باللهِ مَعْمُولَة” لِتَعْزِيَةِ المَسَاكِينِ والحَزَانَى والمُتَأَلِّمِين، وللشَّهادَةِ للحقيقةِ الإلهيَّةِ بانفتاحٍ ودونَ تَسْوِيف…
“كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟” (يو 5: 44).
كنيسةُ الحقِّ هي مَنْ كانَ رُعَاتُهَا يَعْمَلُونَ كلَّ شيءٍ لمجدِ اللهِ ولا يَقْبَلُونَ مَجْدًا مِنْ أَحَدٍ، بَلْ يَرْفَعُونَ المجدَ والحمدَ والشُّكْرَ للثَّالوثِ القُدُّوسِ وحده، في اسْتِقَامَةِ تَمْييزٍ وتدبيرٍ لرعيَّة المسيح، حفاظًا عليها في الحقَّ والأَمَانَةِ لسُلَالَةِ الشُّهُودِ الَّذين حَفِظُوا الإيمانَ من الرُّسلِ إلى يومنا هذا…
كنيسةُ المسيحِ لا مكانَ فيها للبَاطِلِ، هي لا تَمُجُّهُ، فقط، بل تفرِزُهُ عن جسمِهَا، لأنّ الرّبّ قال: “كلّ غصن لا يأتي بثمر يقطعه ويلقيه في النّار” (راجع يو 15: 2 و6).
الكنيسة الّتي أنجبها السَّيِّد، سرِّيًّا على الصَّليب، من جنب جسده المكسور حبًّا، هي الّتي وُلِدَت في العنصَرَة لتكونَ حواءَ الجديدةَ الّتي أَتَت من ضلعِ آدمَ الجديد في سُبَاتِ جسد الحُّبِّ الإلهيِّ، لِتَلِدَ بَنِينَ وبَنَاتٍ للهِ من “الكلمة المَبذُور” في جوهرِ الخليقةِ الجديدَة، الَّتي لا مكانَ فيها للباطِلِ بل هي أيقونةُ الحقِّ، عُربُون الدَّهر الآتي… إنَّها مَطْرَحُ العَنْصَرَة السَّرمديَّة…
صفحة يسوع خلاصي
No Result
View All Result