
طوبى للمُضطهَدين من أجل البِرّ
المسيح المصلوب يُوضِح بتعليقه مُسَمَّراً على الصليب ما تستطيع قوى الشر أن تفعله بقوة البِرّ والخير والصلاح، ولكن المسيح لم يُصلَب ليُسحَق بل ليَسحَق جبروت الشرير المُتسلّط على طبيعتنا البشرية. قَبِل ربنا يسوع المسيح الصَلب طوعاً بإرادته ليحوّل مسار معركة الشر ضد الخير إلى أقدام الصليب الخلاصي الذي يسقط تحته كل شرّ وتكون الغلبة للخير دائماً بقوّة المسيح القائم،
ومن هنا نبدأ…
قايين قتل أخاه حسداً والمسيح صُلِب حسداً (متى ٢٧: ١٨). لا نسل لهابيل على الأرض، وكذلك لا نسل للمسيح يسوع. أتباع يسوع لا ينتمون إلى نسل! قايين القاتل ونسله قد ملأوا الأرض أما نسل هابيل—الشهيد الأول—هو كنسل ربّ المجد يسوع: أناس تقدَّسوا على هذه الأرض وقد صاروا مواطني السماء؛ أناس لا ينتمون إلى الأرض تماماً كما أن جسد المسيح لم تأكله الأرض وهؤلاء هم أبناء القيامة: “الذين وُلدوا ليس من دمٍ، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله” (يوحنا ١: ١٣).
ولكن القيامة يسبقها موت، وملكوت السماوات يسبقه إضطهاد، ولذلك قال ربنّا الحبيب يسوع المسيح: “طوبى للمُضطَهَدين من أجل البِرّ فإن لهم ملكوت السماوات”(متى ٥: ١٠). المُضطهَدين في هذه الدنيا هم نسل هابيل وهم لا ينتمون إلى “شجرة عيلة” وعرق وقبيلة لأنهم من جميع الشعوب وهم أبناء الله بالتبني وأخوة يسوع الذين يعدهم بالملكوت السماوي الذي زيَّنَه لهم. يُكمل ويقول أيضاً لهم: “طوبى لكم إذا عيَّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم” (متى ٥: ١٢). المسيح طُرد من العديد من المدن والقرى ومجامعها ومن أورشليم وهيكلها لأنه رأى فيها “رجاسة الخراب قائمة في المكان المقدس” (متى ٢٤: ١٥). ولكن الرب يسوع يشجّعنا ويُثبّتنا بقوله: “ولكن الذي يصبر إلى المنتهى يخلُص” (متى ٢٣: ١٣).
وما هو الصبر إلى المنتهى؟
الصبر هو :
١- عدم ردّ الإساءة بمثلها: “من ضربكَ على خدكَ الأيمن فدر له الأيسر أيضاً” (متى ٥: ٣٨).
٢- مواجهة الشر بالخير: “باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، صلّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم” (متى ٥: ٤٤).
٣- التسليم المُطلق لله: “لا تهتموا للغد” (متى ٦: ٣٤) أي لا يكون الغد مصدر همّ لكم بل سلّموه الى يدي الرب وهو يهتم به وبنا.
يحثنا القديس بطرس الرسول أيضاً على الثبات بوجه الإضطهاد: “فمَن يؤذيكم إن كُنتم مُتَمثّلين بالخير؟ ولكن إن تألّمتُم من أجل البر فطوبى لكم” (١ بطرس ٣: ١٣-١٤).
القديس بولس الرسول يدعونا للإتكال على الله في الشدّة: “ليكون فضل القوة لله لا منا. مُكتئبين في كل شيء لكن غير مُتضايقين، مُتحيّرين لكن غير يائسين، مُضطهَدين لكن غير متروكين” (٢ كورنثوس ٤: ٧-٩).
القديس يعقوب الرسول يدعونا الى الفرح في أيام الضيق: “احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب مُتنوعة عالمين أن امتحان إيمانكم يُنشىء صبراً…لكي تكونوا تامّين وكاملين وغير ناقصين في شيء” (يعقوب ١: ٢-٣).
القديس الرسول يوحنا الإنجيلي يُخبرنا عن إرتباط الصبر بالملكوت السماوي بقوله: “أنا يوحنا أخاكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره” (رؤيا ١: ٩). الضيقة تضعنا على أعتاب الملكوت والصبر يُدخِلنا إليه.
طوبى للمُضطهَدين من أجل البَرّ فإن لهم ملكوت السماوات. الملكوت هو مكان وزمان وحالة نفس تبدأ هنا في هذه الحياة—في الكنيسة—وتؤول بنا الى الكنيسة السماوية حيث القديسون يتلألأون مثل الكواكب بنور المسيح المُشِعّ عليهم. أما الإضطهاد فهو يوصل صوتنا مباشرة إلى أذني الله، كما قال الله لقايين: “صوت دم أخيك صارخٌ إليّ من الأرض” (تكوين ٤: ١٠). الدم له صوت والدموع لها صوت أيضاً. إذا كان دم هابيل يصرخ هكذا، فكم بالأحرى دم المسيح الذي “يتكلّم أفضل من دم هابيل” (عبرانيين ١٢: ٢٤)؟
الإضطهاد يجعلنا نتحّد بالمسيح فيُصبح ألمنا ألمه،
يصبح دمنا دمه،
و دموعنا دموعه،
وبالتالي تُصبح قيامته قيامتنا وهكذا ننتصر بيسوع المسيح الغالب، ونغلِب به، ونملك معه الى الأبد. آمين 🙏†
صفحة صوت الكنيسة الأرثوذكسية من القدس
No Result
View All Result