
مار بطرس وبولس والبابا لاوون الرابع عشر … روح واحد في إعلان حبّ المسيح على خطى مار بطرس وبولس … البابا لاوون الرابع عشر يجسد رسالة الكنيسة
في رحاب النعمة والرسالة، يسطع أمامنا نور رسولين عظيمين: بولس وبطرس، عمودي الكنيسة، متكاملين في شهادتهما، متمايزين في شخصيّتهما، متحدّين في المحبّة حتى الصليب. على مثالهما، يضيء البابالاوون الرابع عشر دروب الإيمان بحماسه الرسولي، جامعًا بين روحيهما في إعلان حبّ المسيح والكنيسة.
بولس رسول الأمم
بولس، الفريسي الغيور، ابن الناموس، الرجل الجذري الذي أحبِّ الحق حتى الشدّة، لم يلتقٍ بالمسيح بالجسد، لكنّه التقى به في طريقه إلى دمشق ليضطهد كنيسته؛ «وأمَّا في الحَمِيَّة، فأنا مُضطَهِدْ الكَنيسَة، وأمَّا في البِرّ الذي يُنالُ بِالشَّريعة، فأنا رَجُّلّ لا لَومَ علَيه» (فيليبي 6:3)، لذا انقلب كيانه كلّه.
لقاء بولس بالربّ يسوع على طريق دمشق ليس لحظة تحوَّل فحسب، بل لحظة خلق جديد. لم يكن هذا اللقاء بالرؤية الجسديّة المعتادة، إنّما بلقاء نوريّ باهر هزّ أعماق بولس وكيانه. يسوع لم يقل له: «لماذا تضطهد أتباعي؟» لكنّه قال: «لماذا تضطهدني؟» (أعمال 4:9) لأنّ الكنيسة هي جسده، والمسيح هو الرأس. هذا النداء كشف لبولس أنّ من يضطهد الكنيسة، يضطهد المسيح نفسه لأنّ بين المسيح وكنيسته وحدة لا تنفصم.
نورٌ خارجي أشرق عليه وأسقطه عن فرسه، لكنّه في العمق كان رمزًّا لنور داخلي بدأ يشق ظلمات قلبه. ولأنّ التحؤّل كان جذريًّ، أُغلقت عينا بولس الجسديتان ليفتح الله أمامه عين القلب. العمى لم يكن قصاصًا، بل نسكًا روحيًّا، أشبه بصمت زكريا، كأنّ الله أغلق النوافذ الخارجيّة ليدخل بولس في تأمُّل صامت، في رياضة داخليّة، في قراءة جديدة لحياته في ضوء النعمة.
بولس الذي كان يظنّ أنّه يعرف الله، اختبر أنّ المعرفة الحقيقيّة تبدأ عندما يشرق نور المسيح في القلب. لذلك، في الرسالة إلى غلاطية، يقول بتأمّل عميق: «لكن لمّا سرّ الله الذي أفرزني من بطن أمّي ودعاني بنعمته أن يُعلن ابنه فيَّ» (غلاطية 1: 16-15). لم يقل «لي»، بل «فيَّ» لأنّ المسيح لم يُعلّن له فقط كحدث خارجي، بل سكن فيه، وبدّل حياته من الجذور.
هكذا، أصبح بولس رسول النعمة، ابن النور، كارزًا لا برسالة فقط، بل بشخص، هو يسوع المسيح الحيّ فيه. من مضطهِد إلى رسول، من حافظ للناموس إلى كارز بالنعمة. عاش الإيمان بملء عقله ووجدانه، وقال: «ويلّ لي إن لم أَبشَر!» (1قو 16: 9)، فأضحى رسول الأمم، يجوب الأرض حاملاً الإنجيل، من السجن إلى السفينة، من المجامع إلى الساحات، كمن لم يعرف إلا المسيح، وإيّاه مصلوبًا (راجع 1 قو 2:2).
بطرس هامة الرسل
أما بطرس، صيّاد الجليل، التلميذ القريب من يسوع، فمرّ بتحؤَّل عميق: من حبّ عاطفي حارّ، إلى حبّ ناضج متّزن. أنكر، وبكى، وأحبّ من جديد. في لقائه بالربّ القائم على شاطئ طبريّة، نُقّيَ قلبه، وسُئل ثلاثًا: «أتحبّني؟» (راجع يو 15:21-17)، فصار الحبّ فيه دعوة ورسالة، واستشهادًا. «أنت تعلم يا ربّ أنّي أحبّك» (يو 21: 17)، بهذا الجواب دخل بطرس في عمق المحبّة الباذلة، حتى بذل ذاته في سبيل رسالته، مصلوبًا كسيّده، لكن مقلوبًا تواضعًا.
البابا البطرسي والبولسي
هذان العملاقان الروحيّان، ثمرتان من سرّ الصليب والفداء، بولس وبطرس، يعلّماننا أنّ القداسة ليست نمظا واحدًا، إنما هي تجاوب حرّ مع النعمة، حيث يتحوّل كلّ كيان الإنسان إلى إنجيل حيّ. في زمننا الحاضر، نحن بأمسّ الحاجة إلى رسلٍ يحملون روح بولس وبطرس ليعلنوا المسيح بجرأةٍ وشهادةٍ مفعمة بالحياة. فبولس الذي تحوّل من مضطهدٍ للكنيسة إلى رسولٍ للأمم، وبطرس الذي انتقل من إنكارٍ إلى محبّةٍ باذلة، يجسّدان نموذجين للرسالة المتجدّدة في قلب الكنيسة. والبابا لاوون الرابع عشر، الرسول المتفاني، بطرسيّ وبولسيّ الروح، يشدّد على حبّ الإعلان عن الإنجيل، والدعوة إلى وحدة الكنيسة، وروح الخدمة المتواضعة، والتمسّك الثابت بالإيمان. إنّه يقود مهمَّة تبشير الشعوب مع حرص على الوحدة والتنوّع. يجسّد ثلاثتهم معًا رسالة الكنيسة في الإيمان والشهادة لنعلن المسيح بجرأة ومحبّة في عالم اليوم.
فلننهض جميعًا ككنيسة واحدة، حاملين روح بولس وبطرس، لنعلن بشجاعة ومحبّة الإنجيل، ونتلقّى قوّة العنصرة لنعنصر هذا العالم بمياه المعموديّة، فنجعله يولد جديدًا لحياة ملؤها النعمة والخلاص.
الخوري شربل فخري
صفحة ورق غار
No Result
View All Result