أيقونة مار مارون في كور تقليد جديد في الكنيسة المارونية
الأيقونة في كنيسة مار ميخائيل-كور
بقلم الاستاذ رائد جرجس
كُرِّست أيقونة القديس مارون أب الطائفة المارونية في كنيسة مار ميخائيل في قرية كور في منطقة البترون بالتزامن مع احتفال الكنيسة المارونية في شهر آب بذكرى مذبحة الرهبان الموارنة الشهيرة والتي طبعت تاريخ الكنيسة المارونية الذي بات مرادفاً للتضحية والشهادة.
لم يُذكَر الكثير عن سيرة القديس مارون في المراجع التاريخية المُعتمدة فاقتصرت حياته على القليل من الكلمات التي لخّصت حياة زهد ونسك قاسية، حيث كان مارون أول قديس متنسّك في البرية وفي الهواء الطلق. وقد أسس كنيسة صلبة ارتكزت على إيمان أتباعه وخصوصاً تلاميذه الرهبان الذين استُشهد المئات منهم وواجهوا الاضطهاد عبر السنين من جبال قورُش وسهول آفاميا وصولاً إلى جبال لبنان ومغاوره.
وللمصادفة، يتشابه تاريخ الموارنة الأوائل مع تاريخ قرية كور. فقد تهجّرت كور بسبب الاضطهاد مرات عديدة مثل تلاميذ مارون الذين تهجروا من مكان انطلاق دعوتهم في جبال قورُش إلى جبال لبنان. كور تهجّرت ثلاث مرات: المرة الأولى في القرون الوسطى من لبنان إلى قبرص بسبب احتلال جيوش المماليك للبنان، ومرة ثانية في التاريخ الحديث عندما هجَرَ موارنة قبرص وهم أهل كور ماجيتي، القرية التي أسسها أهل كور اللبنانية، إلى الجهة اليونانية من الجزيرة بسبب الاحتلال التركي في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، ومرة ثالثة تهجّر أهل كور من لبنان إلى لبنان وأنحاء العالم بسبب الاحتلال السوري للقرية خلال الحرب في لبنان وكان ذلك سنة 1978.
وكما في التهجير، تشبّهت كور بمسيرة أتباع مارون من خلال شهدائها، فقدّمت الشهداء بسبب الاضطهاد، والاحتلالات على انواعها، منذ القرون الوسطى وصولاً إلى التاريخ الحديث.
لذا يبدو تاريخ كور كأنه نسخة مصغّرة عن تاريخ الموارنة في الشرق وفي لبنان. فالموارنة ناضلوا واضطُهدوا وضحوا وتشبثوا في أرضهم على مدى أكثر من 1500 سنة وحتى اليوم. تاريخ الموارنة مجبول بالتضحية ومبني على الإيمان
والتشبث بالأرض لكي يبقى موارنة وليبقى لبنان.
قرية كور وتظهر كنيسة مار جرجس القريبة وكنيسة مار ميخائيل الأبعد في خلفية الصورة
يقول الأباتي المؤرخ بولس نعمان في مقابلة له في ذكرى ال1600 سنة على وفاة القديس مارون: “الموارنة لديهم ولد وحيد اسمه لبنان، وعليهم المحافظة عليه قبل كلّ شيء. فإذا هجر الموارنة لبنان، فلن تبقى لهم هوية، ومعهم تزول الحضارة في الشرق. وبنيان لبنان قام على عاتق البطريركية المارونية وعليها الحفاظ عليه.”
ويضيف:”الطريق الذي تسلكه الشعوب العربيّة المشرقيّة بنوع خاص ضدّ العنصريات والديكتاتوريات والحكم الفردي في سبيل الحصول على الديمقراطية، سبق أن سلكه الموارنة منذ ألف سنة تقريباً، لكن من دون عنف وقتال ودماء بل بالمحبة والخدمة والصبر على المحن، وبالعمل الحثيث مع مكوّنات المجتمع اللبناني كافّة. وقد عبّر عن هذه الحقبة الكاتب كمال الصليبي بوصف رائع في بحثه عن الموارنة إذ قال: لقد تمكّنوا وهم الشعب الصغير، من المحافظة على هويتهم التاريخية عن طريق الثبات في الموقف والكفاح المستمر مع الغير، والوفاء لمن أظهر نحوهم التفهّم والعطف، كما تمكّنوا من المحافظة على حق الانسان في الحرية، حريّة كل انسان والعيش الكريم، ومن المساهمة في خلق وطن يضمن هذا الحق لأبنائه…”
وتعمل مؤسسة “بيت مورون” على نشر أيقونة القديس مارون في كافة الكنائس المارونية في لبنان للتذكير بأهمية أب الطائفة وبأهمية التمثل بحياته وقيَمِه التي أُسست عليها الكنيسة المارونية. نشر أيقونة القديس مارون تسهم بشكل مباشر في التذكير بأصولنا وبتاريخنا وبشفيعنا على أمل التمثل بسيرة حياته وإيمانه.
الكنيسة المارونية ليست غنية بالأيقونات، لأنها كانت كنيسة فقيرة. وصناعة الأيقونات تتطلّب وقتاً طويلاً وكلفةً عالية وأخصائيين بالموضوع. وبدأت الكنيسة المارونية مؤخراً بترويج صناعة الأيقونات لدلالاتا اللاهوتية والتاريخية. فالأيقونة ليست صورة فوتوغرافية، فهي تحمّلنا من خلال رسم حدث معيّن، أبعاد ومعاني الحدث الكتابية واللاهوتية والروحية. وعندما نتأمل في أيقونة أحد القديسين، نحن نتأمّل أيضا بالإنجيل، ولكن كإختبار حيّ وشهادة حيّة عاشها القديس بحياته وكرّس حياته من أجلها.
الأيقونات مقدسة يتبارك منها المؤمنون مثل أيقونة القديس مارون التي ارتفعت في كنيسة مار ميخائيل- كور وهي مرسومة باليد من الخورية سوزي باز.
أيقونة القديس مارون




















