
الحريّة المريضة
الفلتان الأخلاقي ليس حريّة، ضَرب المجتمع ليس حريّة، إفساد أولادنا وعائلاتنا ليس حريّة، تعليم ما هو مُخالف للكتاب المقدس ولمسيحيّتنا ليس حريّة، كلّ هذا ما هو إلّا “خطيئة” و”تعدّي على الله”. الله لم يخلق الشرور كما يتوهّم البعض، “الشر لا يأتي من الله ولا يكون في الله ولم يوجد في البدء ولا جوهر له” كما يقول القديس أثناسيوس الكبير. مَن ينسب الشرّ لله يتشبّه بالوثني على حدّ تعبير القديس باسيليوس الكبير. لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله وأعطاه كامل حريّته في التقرّب منه أو الإبتعاد عنه. الله لا يلزم أحد، لا يتدخّل في حريّة أحد، الذي يريده ربّنا سيهبه نعمته الإلهية فيخلّصه. ولكن هذا لا يعني أن الله متخلّي عنا ولا يتدخّل في حياتنا ولا يريد أن نخلص! الإنسان هو الذي يتقرّب منه ويبتعد عنه وليس العكس، “فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ.” (مت 5: 45). فالربّ لا يحجب نوره عن أحد ولا يجبر أحد على اتّباعه لأنه يحترم حريّتنا، الإنسان هو الذي يبتعد عنه.
كما سبق وذكرنا أن الله أعطانا الحرية الكاملة في أن نختار، إمّا إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، فهذا خَيارنا، كما يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: “لقد شرَّف الله الإنسان مُنعِماً عليه بالحرية، بغية أن يكون الخير خاصّاً بمَن اختاره، لا أقلّ ممّن وضع بواكير الخير في الطبيعة”. بعد السّقوط تشوّهت طبيعتنا وتوحّشت الحيوانات وفَسُدَت الأرض، وذهننا أظلم بعد ما كان مستنيراً نقيّاً، حتى الأهواء التي وضعها فينا الرب حوّلناها إلى الأسوأ. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “لقد خُلق الجسد لا ليعيش في العار والفجور، بل ليتبع المسيح كرأسه، ولكي يقود الربّ الجسد”، حتى حريّتنا حوّلناها إلى عبودية!!!
اليوم يروّجون في بلدنا (لبنان) للمثلية الجنسية ولا يجب أن نجَرِّم المثليّين، تحت شِعار “الحريّة” و”حقوق الإنسان”. المثلية هي جريمة ومرض، يجب شفاؤها. إقرؤوا ماذا فعل الرب في العهد القديم بسدوم وعمورة وتمعّنوا بالعقاب، الذي لسوء فهمنا بإيماننا المسيحي سنُبيح لهم ما يطيب لهم. الحرية ليست هكذا، أن أفعل ما أشاء، “«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي.” (1 كو 10: 23).فالقديس يوحنا كرونشتادت يُقدِم على القول: “جميعاً نحبّ الحياة. ولكن، لا توجد حياة حقيقية فينا بدون مصدر الحياة، الذي هو يسوع المسيح”. والرب يسوع المسيح قال: “الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَالْعَبْدُ لاَ يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا”. (يو ٨ :٣٤ ٣٥ ٣٦). أن نكون أحراراً فبالمسيح يسوع فقط. نكرّر، نحن لسنا أحراراً بالمعنى الذي يعطيه العالم بل أحراراً إن كنّا عبيد أمناء للمسيح الذي بدونه لا يستطيع أحد أن يكون حرّاً. حقّنا نأخذه من المسيح لا من العالم، لأنه هو الحقّ وعندما نعرفه نكون قد عرفنا الحق وحينها سَنتحرَّر به (يو :٣٢:٨).
أحياناً يكون الضرب مُفيد للأولاد، لتوعيتهم وليس كرهاً بهم. لأنّ الولد المُطلَق إلى هواه يخزي أمّه كما ذُكر في سفر الأمثال: “اَلْعَصَا وَالتَّوْبِيخُ يُعْطِيَانِ حِكْمَةً، وَالصَّبِيُّ الْمُطْلَقُ إِلَى هَوَاهُ يُخْجِلُ أُمَّهُ.” (أم 29: 15). فعدم إعطاء لولدك شيئاً يضرّه هذا ليس قلّة محبة بل محبّة فائقة ومبارَكة لأنّك تمنعه عن ارتكاب الخطيئة التي تبعده عن نعمة الله، ويا ليتني أقدر على وصف الولد الذي يتركوه أهله إلى الشارع! في سفر الجامعة لإبن داود الملك قولاً رائعاً: “اُنْظُرْ. هذَا وَجَدْتُ فَقَطْ: أَنَّ اللهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيمًا، أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً.” (جا 7: 29). فالإنسان بسوء استعمال حريّته واستعباده للشهوات قد اخترع أموراً كثيرة غير طبيعية، منها الشذوذ الجنسي وتقليده للحيوانات كالكلب. أصبحت الحيوانات أفضل منّا، يتزوّجون ذكراً وأنثى ويُنجبون أولاداً أما نحن فصِرنا أسوأ من الحيوانات!! يذكر القديس أثناسيوس الكبير “إنّ البشر إذ رفضوا التفكير في الخير، هم الذين شرعوا يتصوّرون ويتخيّلون على هواهم ما ليس بموجود”. ويتابع قدّيسنا قوله عن النفس البشرية: “أنها خُلقَت لكي ترى الله ولكي تستنير به؛ ولكن، بدلاً من الله، راحت تتوخّى الفاسدات والظلمات”.
يقول القديس مكسيموس المعترف: “إنّ الله يقوم بكلّ شيء فينا… أما ما يخصّنا، فهو استعداد الإرادة الحسن”. الإنسان قادر على الشِّفاء عندما يعرف نفسه ويعترف بأنه خاطئ والربّ يقبله حتى لو كان في وحل الخطايا وفي أيّة ساعة أراد أن يرجع له لأنه رؤوف ورحوم وجزيل التحنّن.
“إرجعي أيتها العاصية إسرائيل، يقول الربّ. لا أوقع غضبي بكم لأني رؤوف، يقول الربّ، لا أحقد إلى الأبد. إعرفي فقط إثمك، أنك إلى الربّ إلهك أذنبت” (ار12:3-13). عندنا كمّ من الأمثلة في الإنجيل المقدس في هذا الصَّدد: الإبن الشاطر، الخروف الضالّ، اللصّ اليمين، بطرس الرسول، العشّار (في مثل الفرّيسيّ والعشّار)، زكّا العشّار، الزانية…الخ. فالربّ يقبل كلّ مَن يلتجئ إليه، وطالما نحن هنا على قيد الحياة فالتوبة متاحة للجميع والرب يقبل ويغفر ويرحم كل مَن يلتجئ إليه بإيمان وتوبة صادقة وبدموع حارّة، إن تُبنا توبة صادقة حقيقية و”اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ.”(1 يو 1: 9).
“الشيطان مخادع ماكر، ولديه ألف حيلة لإغرائنا، فهو يستخدم مظاهر العسل ليجعلنا نلتهم المرارة” على حدّ قول القديس كيساريوس أسقف آرل. فالشيطان يريدنا أن نبقى على حالنا ولا نصحّح أنفسنا، يريد التهامنا، يريد أن نكون فاعلي إثم، كذّابين مثله. لذلك “يرغب الشيطان مراراً كثيرة في أن يخدع البشر عبر خَلطه مع الكذب شيئاً من الحقيقة كطُعم”. (ذيذيموس الإسكندري) الحقيقة الكاملة هي أن نكون إمّا مع المسيح أو ضدّه. لا يوجد فتور في الموضوع، الفاتر سيتقيّؤه الربّ من فمه (رؤ ١٦:٣). المثلية الجنسية لم تَكن ولن تكون حريّة تُباح بيننا، المثليّون هم مرضى ويجب معالجتهم وليس تشجيعهم بمقرّرات وقوانين شيطانية. الذي يبيح مكاناً للشيطان فهو شيطاناً. يوجد أمراض مُعدية ينبغي أن نتجنّبها، كذلك المثلية الجنسية.
يقول الكتاب الإلهي منذ البدء: “خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.” (تك 1: 27). ماذا خلقهم؟ ذكراً وأنثى. فالمُخالف لهذا هو مُخالف لله ومستوجب الحُكم. رُبّ من سائل، مَن نحن لندينهم؟ نجيبهم قائلين إن الله هو الديّان وله الحقّ وحده بأن يدين وقد سبق وأدان هذا الفعل (تك ٢٤:١٩). و “إذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعلا رجساً كلاهما، إنهما يُقتَلان ودمهما عليهما” (لاويين 20: 13). والقديس بولس الرسول بالروح القدس طبعاً قال: “أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ.” (1 كو 6: 9-10). وأيضاً في (رومية ١ ٢٧:٢٦) “لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى أَهْوَاءِ الْهَوَانِ، لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ الطَّبِيعَةِ، وَكَذلِكَ الذُّكُورُ أَيْضًا تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ، اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ، وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ”، وهذا الجزاء المُحقّ “فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي».” (رؤ 21: 8)
شربل يوحنا
☦️مجموعة مواضيع عقائدية وروحية☦️
No Result
View All Result