
الإنتقال العجائبي للرُسُل إلى أورشليم حقيقة أم أُسطورة؟
يذكر لنا التقليد المقدس أنه عندما حان أوان رقاد والدة الإله العذراء مريم، وانتقالها من هذا العالم إلى الأخدار السماوية، كان الرسل القديسون منتشرين في أقطار الأرض، بعيدين جداً عن أورشليم، يكرزون بالإنجيل المقدس، كلٌّ منهم في مكان مختلف عن الآخر. وإذ شاء الرب يسوع المسيح أن يجمعهم في المدينة المقدسة، ليشهدوا رقاد والدته الكليّة القداسة، ويُشيِّعوا جسدها الشريف الطاهر، أحضَرَهم بحالٍ عجيبة، مُختَطَفين بالروح على السحاب، كلٌّ من المكان الذي كان يُبشِّرُ فيه، وأتى بهم إلى منزل العذراء، في لحظة من الزمان، كما يُذكر مراراً في صلوات الكنيسة الأرثوذكسية لعيد رقاد السيدة، وكما جاء ذكر ذلك في عظات عن هذا العيد للقديسين مكسيموس المعترف، وجرمانوس القسطنطيني، وأندراوس الكريتي، ويوحنا الدمشقي.
غير أن البروتستانت الرافضين للتقليد المقدس، يعترضون على القصة ويصفونها بالرواية الخيالية أو الأسطورية التي لا تُصدَّق ولا يقبلها العقل، وما هي إلَّا تضخيم للواقع، وليس الهدف منها، حسب زعمهم، سوى إضفاء طابع العَظَمَة والمهابة على رقاد العذراء.
لكننا نردّ على هؤلاء الهراطقة، الذين يزعمون أنهم لا يؤمنون بغير الكتاب المقدس، أنَّ الكتاب الإلهي نفسه يشهد ضدّهم، ويذكر لنا في عدة مواضع حوادث مشابهه عن إختطاف روح الرب للأنبياء والرسل بالجسد، من أماكن معينة إلى أماكن أخرى بعيدة جداً، وتفصل بينها مسافات جغرافية شاسعة، وذلك في لحظةٍ من الزمان، بصورة عجائبية، ولقصدٍ وغايةٍ في تدبيره. ولدينا عدة شواهد وأمثلة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد تؤكد حقيقة ذلك:
📍قول عوبديا لايليّا النبي بعدما وجده: “وَيَكُونُ إِذَا انْطَلَقْتُ مِنْ عِنْدِكَ، أَنَّ رُوحَ الرَّبِّ يَحْمِلُكَ إِلَى حَيْثُ لاَ أَعْلَم.” (1 ملوك 18: 12) مما يعني أنَّه كان يعرف يقيناً أنًّ روح الرب يمكنه في لحظةٍ من الزمن، أن يحمل إيليا وينقله إلى مكان بعيد فيختفي ولا يعود يجده.
📍قول بنو الأنبياء لأليشاع النبيّ، بعد إصعاد النبي إيليا بالمركبة الناريّة إلى السماء: «هُوَذَا مَعَ عَبِيدِكَ خَمْسُونَ رَجُلًا ذَوُو بَأْسٍ، فَدَعْهُمْ يَذْهَبُونَ وَيُفَتِّشُونَ عَلَى سَيِّدِكَ، لِئَلاَّ يَكُونَ قَدْ حَمَلَهُ رُوحُ الرَّبِّ وَطَرَحَهُ عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ، أَوْ فِي أَحَدِ الأَوْدِيَةِ». فَقَالَ: «لاَ تُرْسِلُوا». {2 ملوك 3: 16}. وهذا الكلام يدلّ على إيمانهم بأنَّ روح الرب قادرٌ أن يحمل إيليا النبي وينقله من مكان إلى مكان آخر في لحظةٍ من الزمن.
📍يُخبرنا الكتاب المقدس عن حبقوق النبي، الذي بأمرٍ إلهيّ، اختطفه ملاك الرب من حيث كان مُقيماً في أرض يهوذا في إسرائيل، ليحمل الطعام إلى دانيال النبيّ المُلقى في جُب الأسود في أرض بابل (العراق حالياً)، ثم عاد به وردَّه إلى المكان الذي أحضره منه.
“وَكَانَ حَبَقُّوقُ النَّبِيُّ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَكَانَ قَدْ طَبَخَ طَبِيخًا وَثَرَدَ خُبْزًا فِي جَفْنَةٍ وَانْطَلَقَ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِيَحْمِلَهُ لِلْحَصَّادِينَ. فَقَالَ مَلاَكُ الرَّبِّ لِحَبَقُّوقَ: «احْمِلِ الْغَدَاءَ الَّذِي مَعَكَ إِلَى بَابِلَ إِلَى دَانِيآلَ فِي جُبِّ الأُسُودِ». فَقَالَ حَبَقُّوقُ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ إِنِّي لَمْ أَرَ بَابِلَ قَطُّ وَلاَ أَعْرِفُ الْجُبَّ». فَأَخَذَ مَلاَكُ الرَّبِّ بِجُمَّتِهِ وَحَمَلَهُ بِشَعَرِ رَأْسِهِ وَوَضَعَهُ فِي بَابِلَ عِنْدَ الْجُبِّ بِانْدِفَاعِ رُوحِهِ. فَنَادَى حَبَقُّوقُ قَائِلًا: «يَا دَانِيآلُ يَا دَانِيآلُ خُذِ الْغَدَاءَ الَّذِي أَرْسَلَهُ لَكَ اللهُ». فَقَالَ دَانِيآلُ: «اللَّهُمَّ لَقَدْ ذَكَرْتَنِي وَلَمْ تَخْذُلِ الَّذِينَ يُحِبُّونَكَ». وَقَامَ دَانِيآلُ وَأَكَلَ. وَرَدَّ مَلاَكُ الرَّبِّ حَبَقُّوقَ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى مَوْضِعِهِ.” {دانيال 14: 38-32}.
📍يذكر سفر أعمال الرسل عن الرسول فيليبس، كيف أنه بعدما قام بتعميد الخَصِيّ الحبشيّ، في جنوب أورشليم، على الطريق المنحدرة منها إلى غزّة، اِختَطفه روح الرب بصورة عجائبية، واختفى عن عيون الخَصِيّ، ثم أوجَدَه روح الرب في مدينة أشدود على ساحل البحر المتوسط، التي تبعد عن أورشليم نحو 60 كم.
“فَأَمَرَ أَنْ تَقِفَ الْمَرْكَبَةُ، فَنَزَلاَ كِلاَهُمَا إِلَى الْمَاءِ، فِيلُبُّسُ وَالْخَصِيُّ، فَعَمَّدَهُ. وَلَمَّا صَعِدَا مِنَ الْمَاءِ، خَطِفَ رُوحُ الرَّبِّ فِيلُبُّسَ، فَلَمْ يُبْصِرْهُ الْخَصِيُّ أَيْضًا، وَذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ فَرِحًا. وَأَمَّا فِيلُبُّسُ فَوُجِدَ فِي أَشْدُودَ. وَبَيْنَمَا هُوَ مُجْتَازٌ، كَانَ يُبَشِّرُ جَمِيعَ الْمُدُنِ حَتَّى جَاءَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ.” {أعمال الرسل 8: 40-38}.
فإذا كان روح الرب بحسب إعلان عوبديا النبي وبنو الأنبياء قادراً في طرفة عين على حمل إيليا وأخذه من مكان إلى مكان آخر بعيد… وإذا كان الرب قد اهتمَّ لجوع النبيّ دانيال المُلقَى في جُبِّ الأُسود، في أرض بابل، وأرسل إليه حبقوق النبي من أرض يهوذا حاملاً إليه طعاماً… وإذا كان قد تدبَّر بعنايته الإلهية خلاص نفس الخَصِيّ الحبشي، فأرسل إليه رسوله فيليبُّس ليبشِّره ويُعمِّده، ثم إختطفه من حيث كان وأتى به إلى أشدود… أفلا نُصدِّق بالأولى أن المسيح الاله يهتمُّ بأمر والدته البتول الطاهرة، ويختَطِف بروحه الإلهي الرُسُل المختارين على سحاب السماء، ويأتي بهم من أقاصي المسكونة إلى أورشليم، في لحظة من الزمان، ليكونوا حول “الممتلئة نعمة” وبالقرب من “المباركة في النساء” في يوم رقادها الشريف وانتقالها من هذا العالم، لكي يهتموا بتشييعها وتجنيزها كما يليق بكرامة من هي بالحقيقة والدة الإله؟!
بقلم الأب رومانوس الكريتي*
No Result
View All Result