كيف نجا القديس يوحنا من مذبحة الأطفال الأبرياء التي أمر بها هيرودس…؟؟؟
وكان من بين الأطفال الذين أراد هيرودس قتلهم القديس يوحنا. وما إن أدركت إليصابات أن خطة هيرودس الغادرة قد بدأت في التنفيذ حتى أخفت يوحنا بين ذراعيها وهربت لتختبئ.
تمكنت إليصاباث من الصعود إلى أعلى الجبل والعثور على مأوى هناك حتى أصبحوا آمنين للعودة. توسلت إلى الرب أن ينقذها ..
وفجأة انقسم الجبل إلى نصفين، ووجدت الأم والابن أنفسهما في مأمن معًا على الجانب الآخر من الجبل.
وفي هذه الأثناء أمر هيرودس جنوده أن يبحثوا عن زكريا ويسألوه عن يوحنا، فوقف زكريا أمامهم ..
وقال: “أنا خادم العلي، ولا أعرف أين ابني الآن”.
ولما سمع هيرودس الخبر أمر بقتله على الفور، فذبح الجنود زكريا بين الهيكل والمذبح (مت23: 35).
يوحنّا المعمدان: صراع على التسمية
اسمه زكريَّا، لا بل يدعى يوحنّا. صراعٌ على الاسم، رافق ميلاد ذاك الصبي الّذي طال انتظاره.
الأقارب على صواب، عليه أن يحمل اسم أبيه؛ اسمٌ من سبطه، ونسبه، وهويّته، واسمٌ يشهد به لإيمان إبراهيم، وإسحق، ويعقوب. وها “الّتي كانت تدعى عاقرًا” تصرخ “يوحنَّا”، وزكريَّا، ذاك الأبكم منذ تسعة أشهر يكتب على لوح: “يوحنَّا” أي الله تحنّن، الله أعطى نعمة، كما كشف لهما الملاك جبرائيل في البشرى.
لماذا أعطي الاسم كلّ هذه الأهميّة في الكتاب المقدّس؟ الله منح آدم تسمية المخلوقات (تك 2: 19). هذه العطيّة تظهر أنّ آدم هو سيّد الخليقة، وأنّ باستطاعته تمييز المخلوقات عن بعضها البعض، ومعرفة جوهرها وماهيّتها، ما يجعله مخوّلًا منحها اسمٍ “يكشف” هويّتها و “يحدد” علاقته بها. تسلسل الأحداث في سفر التكوين، تُظهر أنّ خطيئة الإنسان أفقدته نعمة التمييز، فاختلطت عليه الأمور، وإذا بالمخلوقات الّتي سمّاها لأنّ الله أقامه سيّدًا عليها، ينصبّها آلهة يعبُدُها، حانيًا رأسه أمامها، جاثيًا على ركبتيه، مقدّمًا أبناءه ذبيحةً لها.
خَطِىءَ آدم بخطيئة حوَّاء، وغدَوَا غريبيْن عن نفسيْهما، عن بعضهما، وعن بنوّتهما لله الآب. بدأت مسيرة بحث عن الهويّة، عن الجذور، فالوصول إلى برج بابل حيث قال الإنسان، هلمَّ نصنع لنا برجًا، هلمّ نصنع لنا اسمًا (تك11: 4). الإنسان فقد هويّته، بنوّته، وها هو هائمٌ في العالم كمن ليست جذوره في الملكوت، في الله، وها هو يسعى لبناء هويّة له، اسمٍ له، في عالم من تراب، و”إلى التراب يعود”.
أمّا الله، كأبٍ لأبناءٍ خدعوا وجُرحت بنوّتهم، فانحنى عليهم، ومنحهم شريعةً تذكّرهم ببنوّتهم وبأبوّته وتعينهم على التمييز… وها نحن نشارف ببشارة الملاك جبرائيل، ومسيرة صمت زكريَّا، ولقاء إليصابات بمريم، إلى آخر فصول العهد الّذي قطعه الله لآدم وحوّاء. أراد الله تسمية خاتمة الأنبياء بــ يوحنَّا أي “الله تحنّن”، ليكشف لنا أنّ كلّ تلك المرحلة، منذ خطيئة آدم، حتّى البشارة بـآدم الجديد، يسوع المسيح، كانت مسيرة رحمة، لأنّ الله رحمة.
فما عساهُ أن يكونَ هذا الصبيّ؟
قال الملاك جبرائيل في البشارة لزكريّا (لو1: 17) أنّ نبوءة ملاخي (4: 6) “فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ” ستتحقّق في يوحنَّا ولده، ونلحظ أنّ الملاك يقتطع منها الجزء الثاني فما السبب؟ وكيف نفهم ذلك؟
هذه النبوءة تُثير دهشتنا، إذ من المتعارف عليه أنّ الأبناء هم من يتبعون الآباء، أي الأبناء يجب أن يسيروا على خطى التقليد، والشريعة والأنبياء، هم من عليهم اتّباع “إله أبينا إبراهيم، ويعقوب وإسحق”، فالمسيرة كانت دومًا مسيرة، رجوع، مسيرة عودة، أمَّا مع يوحنَّا ستنصبُّ العيون إلى الأمام، إلى ذاك الّذي سيُشير إليه يوحنَّا بإصبعه، وحياته وكيانه، باذلاً رأسه في سبيله: ” حَمَلُ اللهِ الّذي يَرفعُ خَطيئةَ الْعالمِ”.
أُعطِيَ ابنُ زكريَّا اسمًا جديدًا، لم يَتَكَنَّ به أحدٌ فِي “عَشِيرَته”، لأنَّ رسالته موجّهة لكلّ جبل اليهوديّة، لكلّ إسرائيل. اسمٌ، يكشف به أنّ الله رحمة، وأنّ كلّ تاريخ الخلاص عبارة عن “صوت” و”إصبع” يُشير إلى يسوع، الحمل الذي به ستُكشف هويّتنا والطريق الّذي به سنستعيد بنوّتنا.
الخوري شربل شدياق
الله محبّة – Allah Mahabba

















