
سيّدة الأحزان… مثال تعزية الله للمؤمنين
منذ القرن الرابع الميلادي، اعتاد المسيحيّون التأمّل في أوجاع مريم العذراء «سيّدة الأحزان» إذ روت كتابات القديسين تبجيل شعب الله لـ«سيّدة الآلام». وتحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة بتذكار «سيّدة الآلام» في 15 سبتمبر/أيلول من كل عام.
من باسيليوس الكبير إلى برناردينو من سيينا وألفونس ماري دو ليغوري، ذكر قديسون كثيرون في كتاباتهم آلام مريم. ثمّ انتشر تذكار «سيّدة الأحزان» بشكل أكبر مع البابا بيوس السابع، بعدما أعلنه عيدًا للكنيسة جمعاء في العام 1814.
يتأمّل المؤمنون في «سيّدة الأحزان» بسبعة آلام كابدتها العذراء في خلال حياتها. الألم الأوّل هو نبوءة سمعان الشيخ عندما حمل بيديه الطفل يسوع بعد مرور 40 يومًا على ولادته، وتحدّث عن السيف الذي سينفذ في نفسها. والثاني هروب العائلة المقدّسة إلى مصر لتُنقذ ابنها من المجزرة التي أمر بها هيرودس الملك. والثالث شمل حزن الوالدة لثلاثة أيّام متتالية بعد بقاء يسوع في الهيكل وهو في الثانية عشرة من عمره. أمّا الرابع، فكان لحظة لقاء العذراء بابنها حاملًا صليبه في طريق الجلجثة. والخامس رؤيتها ابنها مصلوبًا وعريانًا ومائتًا عند أقدام الصليب. والسادس عندما أُنْزِلَ يسوع عن الصليب ووُضِعَ بين ذراعيها. والألم السابع هو دفن المسيح في القبر.
قاست مريم العذراء آلامًا كثيرة غيرها في مسيرة حياتها، ولم تحاول الهرب منها أو رفض عيشها. آمنت أنّ الله سيحوّل آلامها التي اتّحدت بواسطتها مع آلام ابنها إلى تعزية وانتصار على الموت والألم. إنّ التمعّن في كيفيّة حمل مريم آلامها بإيمان ورجاء يساعد المؤمن المسيحي على التشبّه بها، إزاء ما يتعرّض له على الأرض من أوجاع وضيقات حتى لا يهتزّ إيمانه بالربّ وبتعزيته.
عيد أحزان مريم السبعة يقع في 15 أيلول
وهو تذكار آلام الأمّ الحزينة ومعاناتها التي عاشتها في الإتّحاد مع ابنها. أدرج العيد ضمن أعياد الكنيسة الجامعة في عام 1817 بأمر من البابا بيوس السابع وأثبت رسمياً في عام 1913 من قبل البابا بيوس العاشر. هذا العيد يذكّرنا باستشهاد أمّنا العذراء القدّيسة ومعاناتها مع عذابات ابنها الإلهي. من خلال هذه المعاناة شاركت المخلّص في عمله الفدائي.
لقد أشركها الله في تصاميمه الإلهية ومخطّطه للخلاص، وجعلها سبب جزئي ومثال جزئي للمخطّطه. مشاركة السيّدة العذراء في خلاص العالم يعطينا رؤيا جديدة رائعة عنها. لن تتمكّن عقيدة “الحبل بلا دنس” ولا “انتقال العذراء” أن تعطينا فكرة أعظم لتمجيد مريم أكثر من صفتها “شريكة في الفداء”.
أحزان مريم لم تكن ضرورية لفداء العالم، لكن في مخطّط الله كانت أحزانها جزءاً لا يتجزّأ منه. وهي تنتمي الى وحدة الخطّة الإلهية. أليست أسرار مريم هي ذاتها أسرار يسوع؟ وأسرار يسوع هي أسرار مريم؟ الحقيقة تظهر أن جميع أسرار يسوع ومريم كانت في تصميم الله سرّ واحد. يسوع ذاته كان حزن مريم، تكرّر سبع مرّات، تفاقم سبع مرّات.
خلال ساعات آلام ربّنا يسوع المسيح، تقدمته وتقدمة مريم كانتا مرتبطتين ببعضهما البعض. تواكبتا معاً. كانت مصنوعة من نفس المواد. كانت معطّرة بعطر مشابه. مشتعلة بنفس النار. مقدّمة بنظام واستعداد مشابه. هاتين التقدمتين كانت قرباناً واحداً في وقت واحد. كانت في كل لحظة من خلال أسرار تلك الساعات الرهيبة، تتشابك هذه التقدمة الواحدة مع والى الآب الأزلي. مرفوعة من القلبين الطاهرين، قلب الإبن والأمّ، من أجل خطايا عالم مذنب. خطايا وقعت عليهما مع تعارضها مع فضائلهما لكن بكامل إرادتهما الحرّة.
اما أحزان القديسة مريم كما جاءت فى الكتاب الـمقدس فهي كالآتي:
1- نبؤة سمعان الشيخ (لوقا 33:2-35)،
2- الهروب لأرض مصر (متى 13:2-21)،
3- فقد يسوع لمدة ثلاثة ايام في الهيكل (لوقا 41:2-50)
4- الطريق الى جبل الجلجثـة (يوحنا 17:19)،
5- الصلب وموت يسوع (يوحنا 18:19-30)،
6- إنزال يسوع من على الصليب (يوحنا 39:19-40)،
7- وضع يسوع في القبـر (يوحنا 40:19-42).
إنّ تأملنا في كل تلك الأحزان يجعلنا نفهـم أن العذراء مريم قد إجتازت كل تلك الأحزان الأرضية بثقة وإيمان ورجاء صادق في وعد الله بالحياة الأبدية، وهذا بالتالي يدفع فينا الثقة في التشبّه بها في كل ما قد نتعرض له على الأرض من آلام وأحزان فلا يهتز إيماننا، وأيضاً يبث فينا الرجاء والثقة انه مهما طلبنا منها فهي تعرف من هـم الأبناء بكل مـا يتعرضون له من أحزان وضيق على الأرض فتصلّي وتتشفع من أجلنا.
في شهر أيلول نحتفل أيضاً بعيد مولد السيّدة العذراء 8 أيلول – وعيد إسـم مريـم الـمقدس في 12 أيلول
صلاة لتكريم مريم أمّ الأوجاع
أيها الآب الأزلي،
حين رُفع ابنك على خشبة الصليب،
وقفت أمّه مريم بالقرب منه، تشاركه آلامه.
فلتساعدنا مريم، وهي أمّنا الروحية
وشفيعتنا السماوية،
ولتكن أحزانها وأوجاعها مثال لنا في احتمال الآلام
وترشدنا بأن نجد القوّة المتجدّدة
في صليب ربنا يسوع المسيح.
حتى نشاركه أيضاً في قيامته للحياة الجديدة.
حيث يحيا ويملك معك ومع الروح القدس
الإله الواحد الى أبد الدهور. امين
No Result
View All Result