
لماذا نُكرِّمُ خشبة الصليب؟
نحن لا نسجُدُ للصليب سجودَ عِبادةٍ كما يُفتَرَى عَلَينا من الذين يحكمون على المسيحيَّة عن جهل وتعصُّب. نحن نسجُدُ لَهُ سجودَ تَكريمٍ مُقَدِّمين العبادة للإله وحده، الذي ارتضَى أن يُسَمَّرَ عليهِ بالـمَسامير.
ومع ذلك، يقولون: ما بالكُم تُكرِّمون خَشَبة؟ فنقول لهم: لو كنتم تعرفون من هو الذي بُسِطَ عَلَيها، ودَمُ مَن شَرِبت تلك الخشبة، لكنتم ليس فقط سجدتُم معنا بل ولكنتم قَبَّلتم التُراب الذي وَطِئتهُ قَدَماه. لأن الذي أحبَّنا هكذا، يستحقُّ بالحقيقة أن يُكرَّم بمثل هكذا إكرامٍ عظيم.
فهو لَم يَمُت على الصليب ليُبيد الموت بموته ويرينا قيامتنا بقيامته فقط. فلو كان الأمر كذلك كان يكفي أن يموت موتًا من نوع آخر من الميتات المُتَعَدِّدَة. هو مات على الصليب لكي يأخذَ على ذاته لعنة المُجرِمين فيُحَوِّلها بركة للتائبين إليه.
لأن الموت على الصليب في مكان عام كان يَختَصُّ في تلك الأيام لإعدام ليس المُجرِمين العادِيِّين بل الذين صنعوا جرائم فَظيعة. الذين يُحسَبون من الناس مَلعونين من الله (تث ٢١: ٢٣) “لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ”. (غل ٣: ١٣)
شاء ابن الله المُتَجَسِّد، بإفْراطِ مَحَبَّتِهِ للبشر، أن يشارك الأشرار المَلعونين من الناس لعنتهم، مع أنه البريء من الشر وحده، ليقول لهم:
تعالوا يا إخوتي المَلعونين من العالم وتوبوا إليَّ لتصيروا أبناء أبي مباركين وورثة مجده السماوي.
تعالوا يا ملعونين من الناس! دَعوا اليأس جانبًا وانظروا إلى لصِّ اليمين الذي سبقكم بقوله: أذكرني يا رب متى أتيتَ في ملكوتك.
تعالوا يا أكثر الناس إجرامًا! المَحكوم عليهم بالموت! العالم يدينكم وأنا لا أدينكم! العالم يمقتكم وأنا أُحُبُّكم!
تعالوا إليَّ حتى لو كنتم أمام المِشنَقَة أو كرسي الكهرباء! العالم يريد موتكم وأنا أتيت لتكون لكم الحياة!
حَوِّلوا آذانكم عن جمهور القُساة القائلين: هذا الملعون مستحق إن يموت هكذا بسبب شناعة جرائمه، وأسمعوني هاتفا لكم: هذا الملعون سيكون مبارك إن رجع إليَّ تائبًا.
تعالوا! لا تنظروا فيما بعد إلى بشاعة ما ارتكبته أيديكم بل انظروا إلى بهاء الرحمة العُظمى الذي أشرق عليكم من المصلوب معكم.
كَرِّموا خشبة اللعنة التي بها عرفتم بركة الله ورحمته العُظمى!
تعالوا إذا نسجد لصليب المسيح غدًا.
No Result
View All Result