
المجد لك يا الله
عندما نقفُ أمامَ الله لنسمعه ونكلِّمه، يجب أن يكون لدينا حديثٌ شخصيٌّ معه، يمكن لذهننا فقط أن يقوم به، لأنّ الله روح، وبالتالي يمكنه أن يتواصل مع الإنسان عن طريق الذهن.
عندما نصرخ بالفم، فإنّ الله يسمعنا، لأنّه يقبل الأصوات المنبعثة من الذهن عبر الفم، لكنّ الذهن أيضًا يقدر أن يرسل موجاته دون الفم.
وهذا هو المهمّ، أي أن يتكلّم الذهن مع الله.
… لكنْ، لكي يتواصل ذهني مع الله يجب أن يكون مثبّتًا نحوه. الذهن هو شيء قابلٌ للتشتّت، يتّجه نحو الأسفل أو نحو الأعلى. والحديث مع الله يتطلّب من الذهن خروجًا نحو خالقه، نحو ذاك الذي خرج من أحضانه، والذي إليه يعود. أُكَلِّمُ الله، أي أتّجهُ نحوه، يمتدُّ ذهني وكياني بأكمله إليه، أسكبُ نفسي كُلَّها. بهذا المعنى الصّلاةُ هي انحناءُ الذهن نحو الله. لا أقولُ انحناء القلب، لأنّ القلب، عادةً، يغشنا، إذ ينحني على أيّ شيء يُرضي ذاتنا، بينما يحتاج الذهن إلى شبيهه، يطلب صورتَه الأصليّة.
أُحادثُ الله، أي أُرَكِّزُ ذهني وأَشُدُّهُ، كما لو أنّي أَشُدُّ وَتَراً لأُطلقَه فيذهب مباشرةً نحو الله بدون أيّ عائق. ذهني الآن حُرٌّ من كُلِّ فكرٍ وشعورٍ وخيال، من كلّ معنًى أو أيّ شيءٍ آخَر يُمكن أن يجذبه أو أن يحرّكَ اهتماماتِه ويجعله يميل عن طريقه.
أتّجهُ نحو الله بثباتٍ، لأنّي أنا أسفلُ في الأرض، وهو فوقُ في السّماوات. أنا لا أستطيع أن أصعد إليه، يجب أن ينزلَ هو لكي يجدَني. عندما أريد أن أكلّمه وأن أقبلَه، عليه أن يَهجرَ السّماوات ويفرغَ ذاته، لكي يمنحني كلّ كيانه ويُحدِثَ هذا التّغيير.
… عندما تحوِّلُ روحكَ، أي ذهنَكَ، بهذه الطريقة نحو الله، فإنّك سوفَ ترى حدثًا غريبًا. فبينما أنت في أسفلِ دركاتِ النّفس، وفي ظلمة الخطايا، بينما لم تتخيّل في حياتِكَ أنّكَ ستبكي بغزارةٍ على هذا الشكل، ترى أنّ الدّموعَ، وبمنتهى البساطةِ والطَّبَعيّة، وَبِوَفرةٍ، تنهمر من عينَيك، فتتساءل:
كيف صار هذا؟ والجواب:
هذا هو العربونُ الذي يمنحنا إيّاه الله لكي نستند إليه في مسيرة اتّحادنا به.
موهبة الدموع هي الرسالة الأُولى التي نعرف من خلالها أنّ الله يسمعنا. وبالتالي فإنّني، دون أن أستهدف هذا الأمر، ودون أن أُجاهد من أجله، ودون ضغطٍ وتدريبٍ، دون أن أقلق، سيرسل لي الله الرسالةَ الأُولى، وسيقرع لي الجرس الأوّل، ليقولَ لي:
ها هو! إنّه يأتي.
عندما تأتيني الدّموع، عند ذلك أعرف أنّ المعونةَ أتت، وأنّ الله هو في مكانٍ ما.
من كتاب “كلمات في الرّجاء” _ الأرشمندريت إميليانوس الرّئيس السّابق لدير سيمونوس بتراس.
No Result
View All Result