
البَـركة
البركة هي نِعمةٌ من نِعمِ الله تشمل حياة الإنسان فتباركُها، وتجعل كلّ شيء عنده في كفاية ووفرة، وإن كان المورد قليلاً.
والبركة هي سرٌّ مِن الأسرار التي لا يراها الإنسان حين تعمل في كلّ شيء، وإنّما يعرفها من نتائجها ومفاعيلها كما فعل الربُّ يسوع في الخمس خبزات والسمكتين، حيث أكل منها خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد، وفضل منها اثنتا عشرة قُفّةً مملوءة.
فالناظرون لم يروا إلّا خمس خبزات وسمكتين فقط. أمّا كيف أكل هذا العدد الهائل وتبقّت الاثنتا عشرة قفّةً المملوءة فهذا هو سرّ البركة الذي لم يره ويعرفه إلّا صانع المعجزة الربّ يسوع المسيح.
وليست العبرة في الكثير أو القليل، وإنّما البركة التي تعمل في القليل فيكفي ويزيد. فكثيرون يحصلون على الكثير من المال سواء في مرتّباتهم أو تجارتهم أو أيّ مورد آخر، ولكنّهم دائماً يَشكُون من عدم الكفاية وسدّ الاحتياجات التي تُلِحُّ عليهم يوماً بعد يوم مع دخلهم الكثير.
وآخرون مرتّباتهم محدودة وبسيطة وأرزاقُهم أقلُّ من المتوسّط ويعيشون في نعمة وراحة ويجدون كلّ شيء عندهم أكثر من حاجتهم، فَيَفْضُلُ عندهم ويزيد. والسببُ في ذلك بركةُ اللهِ عليهم ورضاه عنهم. ولذلك يقول سفر الأمثال: “بَرَكَةُ الربِّ تُغني ولا يزيد معها تعب”.
والبركة تأتي عن طريق القناعة. فالقانع بالقليل لا يرى لزوماً للكثير. لأن القناعة هي في حدّ ذاتها تجارةٌ عظيمة، حسب قول بولس الرسول: “وأمّا التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة”.
ذلك لأنّ الغنى ليس في وفرة المال، بل الغنى الكامل هو في النفس القانعة التي ترى كلّ شي عندها كثيراً وعطية من الله. وهذه هي البركة الكاملة في النفس الكاملة والتي تفيض عليها بركات الله في غنًى وفير. ويقول أيضاً الرسول بولس:
“كونوا مكتفين بما عندكم لأنّه قال لا أُهملك ولا أتركك” (عب 13: 5).
والذين لا يعرفون للقناعةِ معنًى يكون عذابُهم من الطمع أكثر من عذابهم من الاحتياج، لأنّهم يرون كلّ شيء عندهم قليلاً ولو حصلوا على ثروة الدنيا بأسرها، يرون أنفسهم محتاجين، كما قيل عن الإسكندر إنّه مرّةً شاهدَه أحدُ قُوّادِه الكبار يبكي، فقال له:
لماذا يبكي سيّدي الملكُ السعيد وقد ملك الشرق والغرب؟
فقال له الإسكندر: “لأنّي لم أجد أرضاً أخرى لأمتلكها”.
فالقناعة إذاً هي البركة بعينها التي تملأ النفس وتملأ العين وتملأ البيت وتضع الراحة والسلام والهدوء. وتستمرّ البركة عن طريق الشكر الدائم للربّ المعطي بسخاء.
فلنطلب بركة الله في صلواتنا دائماً كي يبارك جميع نواحي حياتنا… روحيّاً ونفسيّاً وجسدياًّ ومادّيّاً.
لأنّ بركة الله نورٌ يشعّ في ظلام، ونعمةٌ تطردُ اللعنة، وسلامٌ يُبعدُ القلق، وحياةٌ تَغلِبُ الموت.
فشكراً لله على كلّ شيء.
No Result
View All Result