القناعة كنز لا يفنى
فالاعتدال ليس حرمانًا، بل وعيٌ مستنير. هو أن نحترم الحياة ولا نستغلّها، وأن نحترم خيرات الأرض ولا ننهبها، وأن نستخدم المادة دون أن نسمح لها بأن تستخدمنا وتستعبدنا.
لقد قيل في عصرنا: استهلكوا أكثر، تزيد سعادتكم.
وأُقنِعَ الناس بأن الزيادة ضرورة، مع أنّ الكثير منها لم يكن حاجة، بل رغبة مصطنعة غذّاها السوق والطمع.
لكن الحقيقة الروحية تقول لنا: ليست كل زيادة بركة، وليست كل إمكانية ضرورة.
فالحياة ليست سلعة، ولا مادة تُباع وتُشترى، بل هي عطية مقدّسة من الله، تُحيا بالمحبة والشكر.
الطفل في بداياته لا يعرف الاعتدال، يطلب كل شيء في وقته، ولكننا ننمو ونتعلّم أن نميّز بين:
ما هو ممكن وما هو مرغوب وما هو ضروري للحياة
هكذا نرتّب كياننا: هناك المهم… وهناك الأهم… والأهمّ دائمًا هو الإنسان، والكرامة، والمحبة، والسلام.
يقول الآباء القديسون: “الإنسان المعتدل هو من امتلك الأشياء دون أن تمتلكه.”
و”القناعة كنز لا يفنى، لأنها تحرّر القلب من عبودية الامتلاك.”
إن أزمة مجتمعاتنا اليوم ليست فقط اقتصادية، بل روحية وأخلاقية: غياب للضوابط، وعودة إلى الغرائز، وانجراف وراء الاستهلاك الأعمى.
الإعتدال، هو موقف نبويّ، وهو طريق للخلاص: يجعلنا نقف على مسافة واحدة من كل شيء لنختار بحرّية ما يبنينا ويقودنا إلى الله.
فلنطلب إذًا في زمن الميلاد هذا: أن يولد فينا يسوع الطفل روح البساطة، ونعمة القناعة، وقوّة الاعتدال، فنصير شهودًا لحياة تُعاش لا تُستهلَك، ومحبةٍ تُعطى لا تُشترى.

















