
مريم في قُدس الأَقداس
أَخذ رئيس كهنة الهيكل، زخريَّا، والد يوحنَّا المعمدان، مريم من يواكيم وَحنَّة، وَدخل بها إِلى القسم الدَّاخليِّ من الهيكل العظيم، إِلى قُدس الأَقداس، المكان الأَكثر قدسيَّةً في هيكل سليمان، الَّذي لا يدخله أَحدٌ إِلَّا رئيس الكهنة، وَلمرَّةٍ واحدةٍ كلَّ عامٍ، بعد استعدادٍ واجبٍ بالصَّلاة وَالصَّوم.
هكذا خضعت مريم، دون أَن تشكو غياب الوالدين عنها. وَأَقامت في الهيكل، اثنتي عشرة سنةً كاملةً، صرفتها بالصَّلاة للّٰه الَّذي أَحبَّته من كلِّ جوارحها، وَقراءة الكتب المقدَّسة وَالتَّأَمُّل وَالفضيلة، وَالأَعمال الَّتي تُطلب منها بلطفٍ وَوداعةٍ. عاشت الفضيلة تصرُّفاتٍ إِيمانًا باللّٰه، وَطهارة نفسٍ وَجسدٍ، وَتواضعًا، وَطاعةً للمشيئة الإِلهيَّة.
بقيت في الهيكل حتَّى بلوغها الخامسة عشرة من عمرها، في شركةٍ مع اللّٰه. وَكان ملاكٌ يُحضر لها خبزًا سماويًّا وَطعامًا إِلهيًّا. بقي والداها يزورانها في الهيكل، حتَّى رقدا بسلامٍ. توفِّي يواكيم عن عمر ثمانين سنة، فتركت حنَّة النَّاصرة، وَسكنت في أُورشليم قرب ابنتها، ثمَّ توفِّيت عن عمر تسعٍ وَسبعين سنة. عندما رقد يواكيم وَحنَّة تاركين هذا العالم، صار كهنة الهيكل أَهل مريم وَعائلتها. وَلأَنَّ مريم عاشت حياتها بقداسةٍ عظيمةٍ وَإِخلاصٍ للّٰه حتَّى ساعة رقادها، فنحن ندعوها ”الكلِّيَّة القداسة“.
من كتاب «العذراء مريم في الوجدان الأُرثوذكسيّ»
No Result
View All Result