
أيقونة والدة الإله الزّنامينيّة (النّوفغوروديّة)

يعيد لها في ٢٧ تشرين الثاني
إنّ عجائب هذه الايقونة المقدسة هي التي حدثت في القرن الثاني عشر في احزن اوقات التاريخ الروسي وافظعها. لان الارض الروسية تقسمت ايامئذٍ الى امارات شتى. فكان لكل مدينة تقريباً امير ينازع غيره ويقاتله على امارته او على سدة الامارة العظمى حتى عمَّ البلاء بسبب حروبهم الاهلية المتواصلة اذ كان بعض منهم يتحدون فيحاربون اميراً آخر او مدينة اخرى.
ففي سنة ( ١١٧٠) اتحد امير سوزدال اندراوس يوريافتش بوغوليوبْسكي وامراء سمولينسك وريازان وموروم وبولوتسك وروستوف وغيرهم ليخضعوا نوفغورود العظيمة فيتمُّ حينئذٍ للامير اندراوس ما خطر له من تكوين مملكة واحدة في شمال الارض الروسية وتحطيم قوة نوفغورود بضربة واحدة.
وفي شتاء تلك السنة اقتحمت هذه العساكر الجرارة ارض نوفغورود. قال المؤرخ القديم: (كادت الارض الروسية ان تتحد كلها وقتئذ لان الامراء وحدهم كانوا اثنين واربعين اميرا). وقال امير سوزدال القوي: (الويل للمغلوبين) وابتسر هو وحلفاؤه اقتسام امصار نوفغورود الخصيبة وكنوز عاصمة ريوريك القديمة قبل ان يهاجموها. الا انه مرض وبقي في مدينة فلادمير واستناب ابنه مسْتيسلاف مخضيع العاصمة كييف في قيادة الجيوش المتحدة التي اندفعت تعبث في الارض فتنهب القرى وتحرقها وترزأ الفلاحين وتقتلهم وتستعبد النساء والاولاد حتى احاطت بالمدينة وتقاضتها الاستسلام.
وبعد فشل المفاوضة ثلاثة ايام بين مندوبي الفريقين بشأن السلم ابتدأت المعارك الدموية في اليوم الرابع فاندفع الاعداء على المدينة في هجمات عنيفة وغارات شعواء وضيقوا عليها الخناق. فلما بلا الاهلون بأس العِدى ووهِنَ عزمهم لتفاوت القوى في جهاد هذه الحرب الضروس ألقوا رجاءهم كله على الرب وأمّهِ الفائقة القداسة وصلوات رئيس رعاتهم يوحنا المسمى في الرهبانية ايليا. فكانت الكنائس مفتوحة والرجال والشبان يموتون على سور المدينة والنساء والاولاد والشيوخ يبكون مبتهلين في الكنائس وصمّم الجميع على الدفاع حتى الموت. ووقف يوحنا رئيس الكهنة امام هيكل الرب في الكنيسة الكبرى ثلاثة ايام عندما اقترب الاعادي يحيط رعيته المجاهدة بالصلوات المتوالية. ولما أيقن الجميع في الليل الاخير ان امر نوفغورود صائر اما الى الحرية واما الى العبودية سمع رئيس الكهنة صوتاً من الايقونة يأمره قائلاً: (اذهب الى كنيسة ربنا يسوع المسيح التي على شارع ايلينسكي وأتِ منها بايقونة والدة الاله الفائقة القداسة وأقمها على سور المدينة فتعاين في الحال خلاص مدينتكم).
فصلى يوحنا وهو يطفح خوفاً وسروراً حتى الفحر. وأمر ان يبشّر بالجرس الكبير وتعلن رؤياه للشعب وارسل شمامسته مع اكليروس كنيسة المخلص ليأتوا منها بايقونة السيدة وشرع يرتل صلاة الابتهال. ولكن رجع المرسلون مذعورين وقالوا ان الايقونة لم تتحرك من مكانها. حينئذٍ ذهب يوحنا نفسه مع الجمع كله الى كنيسة المخلص وسقط على الارض قدام ايقونة والدة الاله الكلية القداسة واعلن باكياً قائلاً: (ايتها السيدة العذراء والدة الاله الراحمة العظيمة! انتِ رجاء مدينتنا وناصرتها وستر المسيحيين وملجأهم اجمعين! فابتهلي الى ابنك والهنا من اجل مدينتنا ولا تدفعينا الى اعدائنا بسبب خطايانا. وأصغي الى بكاء شعبك وتنهداته وارحمينا كما رُحم اهالي نينوى قديماً لاجل توبتهم). ولما نهض عن الارض بدأ يرنّم صلاة الابتهال. وكاد لا يلفظ الكلمات الاولى من (قنداق) مديح العذراء الفائقة النقاء وهي: (يا شفيعة المسيحيين الغير الخازية المسترحمة الثابتة لدى الخالق لا تزدري اصوات ابتهالنا نحن الخاطئين) حتى تحركت الايقونة بغتة بذاتها من مكانها. رأى الشعب هذه الاعجوبة فصرخ بصوت واحد: (يا رب ارحم!)
فرفع رئيس الكهنة القديس الايقونة بورع وحملها والشعب يصاحبه ووضعها على سور المدينة حيث يحتدم اقتتال عنيف. فصرخ القوم قدامها: (يا والدة الاله انظري اتضاعنا ولا ترفضي ابتهالنا الى النهاية بل تحنني ايتها الفائقة النقاء على قطيعك!) وشدد الأعداء هجومهم فطارت غيوم السهام فوق السور ونشب سهم أحد السوزداليين في الايقونة فولت الهاجمين ظهرها واتجهت برسمها المقدس الى المدينة وهطلت الدموع من عيني والدة الاله فتلقاها رئيس الكهنة بحلته الكهنوتية وهتف مندهشاً: (يا لك من معجزة عجيبة! كيف تُجرى السلطانة السماوية الدموع من خشبة يابسة! فيا ايتها السيدة! انك تظهرين لنا آية دالة على انك تبتهلين في هذه الحالة الباكية الى ابنك والهنا من اجل نجاة مدينتنا). فقوَّى الرجاء بمعونة والدة الاله سكانَ المدينة فأبوا ان يلبثوا فيها.
ففتحوا الابواب وهاجموا معسكر الاعداء ذاته فذُعر الجيش العرمرم بخوف فجائي وغثيتهم الظلمة فضُربوا بالعمى واركبهم غضب الله فقتل منهم خلقٍ كثير وُسبي عدد وفير. ومن فاز منهم بالهربان مات على طريقهِ جوعاً ومرضاً لانهم في حملتهم على نوفغورود حَربوا الارض وخربوها. حينئذٍ اعترف الجميع بان نوفغورود أنقذت
بمعجزة تمت بايقونة والدة الاله الزنامينية. فتخليد لذكرى هذه المعجزة الباهرة عيّن رئيس الكهنة يوحنا ان يُعيد سنويّاً في اليوم السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني لايقونة والدة الاله الزنامينية في مدينة نوفغورود العظيمة وسماه يوم خلاص نوفغورود ويوم قصاص المحاربين للمؤمنين.
فروسية كلها تعيد هذا العيد وهو فيها من اقدم اعيادها.
على جوانب الأيقونة رسوم اربعة قديسين هم الشهيد العظيم جاورجيوس اللابس الظفر والبار يعقوب الفارسي والباران بطرس وانوفريوس الاثوسيان.
وفي سنة (١٥٦٥) جددها رئيس الاساقفة مكاريوس وبقيت علامة السهم الذي اصاب عينها اليمنى في حصار سنة (١١٧٠). وهي مزدانة بحلة ذهبية وزنها سبع اواق ونيّف يُجملها الماس والحجارة الثمينة. وتحمل في التطوافات الاحتفالية ولا سيما في تطواف ٢٧ تشرين الثاني
No Result
View All Result