
قصة عن أعمال البشر
للقدّيس أرسانيوس الكبير
حدث مرّةً، بينما كان أرسانيوس جالسًا في قلايته، أنّه سمع صوتًا يقول له: «قُم، وسأُريك أعمال البشر». فقام وخرج إلى موضع ما. وهناك أراه ملاكُ الله إنسانًا قطع حِملًا ثقيلًا من الحطب، وكان يحاول أن يرفعه فلا يستطيع. وبدلًا من أن يُنقص من الحمل، كان يعود فيقطع حطبًا آخر ويزيده على الحمل، وهكذا فعل مرارًا كثيرة.
ثمّ أراه الملاكُ رجلًا آخر يقف عند بئر، يستقي الماء ويصبّه في دلو صغير جدًّا، فكانت المياه تعود فتنسكب في البئر.
ثم قال الملاك: «انتظر قليلًا، وسأُريك أمرًا آخر». فإذا بأرسانيوس يرى كنيسة، ورجلين راكبين على خيل، يحاولان إدخال خشبة كبيرة عبر باب الكنيسة؛ لكنّهما كانا يحملان الخشبة بشكلٍ عرضي، ولم يشأ أحدهما أن يُديرها بالطول، فبقيا خارج الكنيسة.
وبعد أن أراه كلَّ هذا، قدّم الملاكُ الشرح التالي:
«أمّا الذين بقوا خارج الكنيسة فهم الذين يعملون الفضائل بالكبرياء ولا يريدون أن يسلكوا الطريق الروحي المتواضع، ولذلك يبقون خارج ملكوت السماوات. وأمّا الذي يقطع الحطب فهو مثال الذين يعيشون في خطايا كثيرة، وبدلًا من أن يمحوا خطاياهم بالتوبة، يضيفون إليها خطايا جديدة. وأمّا الذي يستقي الماء فهو صورة الإنسان الذي يعمل الصالحات، ولا يترك في الوقت نفسه الشرور، ولذلك يُضيّع الأجر الذي كان ينبغي أن يناله من الله».
وختم الملاك كلامه قائلًا: «يجب على كلّ إنسان أن يقتني الفضيلة بنقاء، لئلّا يتعب باطلًا».
أليس حقًّا، يا إخوتي، أنّ كلّ واحدٍ منّا يستطيع أن يرى نفسه إمّا في أولئك الواقفين خارج الكنيسة، أو في قاطع الحطب، أو في مستقي الماء؟ نعم، هكذا هو الأمر حقًا؛ فإنّنا أيضًا كثيرًا ما نكون متكبّرين روحيًا، ونضيف خطايا جديدة إلى القديمة بلا انقطاع، ونمارس أعمالًا صالحة من دون أن نترك الشرور.
«لذلك، فلنكن من الآن فصاعدًا منتبهين إلى حالتنا الأخلاقيّة»، ولننظر إلى قلوبنا وحياتنا، ولنرَ هل نجد فيهما ولو بداية تلك الطهارة وذلك الكمال اللازمَين للدخول إلى ملكوت الله.
أمّا الذين يجدون في ذواتهم عربونًا ما للنعيم الآتي، فليُسرعوا إلى تقديمه هديّة للربّ ومخلّصهم، كثمرة ليست لجهودهم وحدها، بل لنعمة الله القديرة. وأمّا الذين يجدون عند النظر في أعماق كيانهم أنّ صورة نفوسهم مظلمة وغير بهيّة، «فلا يُبطئوا في أن يستنيروا بنور الفضائل المسيحيّة»
No Result
View All Result