
ما معنى أَنَّ الإِله تجسَّد
ها قد دخلنا في شهر كانون الأَوَّل، وَقد مضى أَكثر من أُسبوعَيْن على بدء صوم الميلاد. عيد ميلاد إِلهنا وَمخلِّصنا يسوع المسيح بالجسد يقترب. ما معنى هذا العيد؟ ما معنى أَنَّ الإِله تجسَّد؟
إِتَّخذ الإِله جسدًا، وَصار إِنسانًا. صار إِنسانًا كاملًا. لم يأخذ الإِله من الإِنسان الجسد فقط، بل شاركنا الطَّبيعة الإِنسانيَّة بكلِّ ما فيها، باستثناء الخطيئة. هذا تعليمٌ ثابتٌ شدَّدت عليه كنيستنا وَدافعت عنه في مجامعها المسكونيَّة، وَخاصَّةً الرَّابع وَالخامس وَالسَّادس. يسوع المسيح إِلهٌ تامٌّ وَإِنسانٌ تامّ.
أَن يصير الإِله إِنسانًا يعني أَنَّ الأُلوهة ليست بعيدةً عن الإِنسان. أَن يصير الإِله إِنسانًا يعني أَنَّ الملكوت يبدأُ على الأَرض. أَن يصير الإِله إِنسانًا يعني نهاية الطَّلاق بين الجسد وَالرُّوح، نهاية التَّيَّارات الفلسفيَّة الَّتي تقول إِنَّ الجسد سجنٌ وَشرٌّ يجب التَّخلُّص منه، وَإِنَّ الحياة على الأَرض وَهْمٌ وَسراب.
تجسَّد الإِله وَصار طفلاً ليكون مثالاً لنا بأَنَّ حياة الأَلوهة وَالقداسة تُعاش هنا، على الأَرض، في كلِّ مكانٍ وَكلِّ زمان. تجسَّد ليقول لنا إِنَّ حياة الملكوت تبدأُ هنا، ليست هي في المستقبل بل في الحاضر، ليست هي خارج الجسد بل هي في الجسد، ليست هي خارج العالم وَلكنَّها في العالم.
ماذا يعني هذا الكلام في حياتنا اليوميَّة؟
هذا يعني أَنَّ علينا، نحن المسيحيِّين، أَن نكون شهودًا لهذا الإِيمان، شهودًا لتجسُّد الرَّبِّ وَموته وَقيامته.
أَنا أُؤمن بيسوع المسيح، يعني أَنِّي أُؤمن بأَنِّي مدعوٌّ إِلى القداسة، وَأَنَّ عليَّ أَن أَعيشها كما عاشها يسوع المسيح. أَن أَعيش القداسة في عائلتي، مع أَصدقائيّ، في مدرستي وَجامعتي، في عملي، في أَوقات فراغي.
أَنا أُؤمن بالتَّجسُّد يعني أَن أَخوض في مختلف ميادين حياة مجتمعي العلميَّة وَالفنِّيَّة وَالسِّياسيَّة وَالثَّقافيَّة وَالاقتصاديَّة وَالاجتماعيَّة بطريقةٍ تختلف عن باقي النَّاس، إِذ لا أَنا الَّذي يحيا، “بل المسيح يحيا فيَّ”، وَعليَّ أَن أَجعل النَّاس يرون يسوع المسيح الَّذي قال لي: “كونوا شهودًا لذلك”.
نختم القدَّاس الإِلهيّ بـ “لنخرج بسلامٍ إِلى الرَّبِّ نطلب”. بعد أَن آمنَّا وَتناولنا يسوع المسيح كلمةً وَجسدًا وَدمًا، علينا أَن نبثَّه في العالم، وَإِلَّا فإِيماننا باطلٌ وَكلامٌ واهٍ.
فالكنيسة تقول لكلِّ واحدٍ منَّا في فترة عيد الميلاد هذه: إِمَّا أَن تعيش إِيمانك حيث أَنت وَفي كلِّ دقائق حياتك، وَتشهد لهذا الإِيمان أَمام الكلِّ كما تجسَّد المسيح وَعاش وَتصرَّف بين النَّاس، وَإِمَّا أَنت لا تزال تؤمن بإِلهٍ غريبٍ، بعيدٍ، إِلهٍ يلعب بالنَّاس وَيتسلَّى بعذابهم كإِله الوثنيِّين وَبعض الفلاسفة.
منقول عن نشرة الكرمة العدد ٤٩ الأَحد ٢ كانون الأَوَّل ٢٠١٢
No Result
View All Result