
رؤيا الراهب مرقص
كان مرقص راهبًا بسيطًا صالحًا تلميذًا للقدّيس غريغوريوس السينائي (القرن 14). وبسبب صلاحه وبساطته أُهّل لأن يرى رؤى فائقة الطبيعة.
فذات يوم وبينما كان الرهبان يرتّلون المقطع الأخير من براكليسي العذراء الكبير القائل: “أيّتها البرج المرصوف بالذهب، والمدينة ذات الإثني عشر سورًا، الكرسي المنقَّط بالشمس، وسدّة الملك، والعجب الذي لا يُدرك كيف ترضعين السيّد”. رأى برجًا مذهَّبًا وُضع فوقه عرش نضاريّ نيّر، وفوق العرش تربّعت سيّدة العالم العذراء والدة الإله مريم، حاضنة بيديها ابنها وإلهها سيّدنا ومخلّصنا يسوع المسيح.
إلى جانب هذا البرج، وحواليه، وُضع اثنا عشر عرشًا آخر جلس فوقه رسل الربّ الاثنا عشر. طفق الرسل مع الطغمات الملائكيّة، وآباء من الجبل المقدّس، يسبِّحون ربّ المجد ويباركونه، ويغبّطون، في الوقت نفسه، العذراء مريم. ووراء هؤلاء كان حشد هائل من الرهبان والمسيحيّين يرفعون بدورهم آيات الحمد والتمجيد إلى الربّ وأمّه منذهلين من البهاء الذي لا يوصف المحيط بالعذراء أمّ إلهنا ومخلّصنا.
هذا ما كان يجري من الجهة الشرقيّة للعرش. وأمّا من الجهة الغربيّة منه، فقد رأى مرقص جماعة من الغجر أو التّتر تأتي بحركات مضحكة هزليّة. تجمّع حول هذه الفرقة عدد قليل من الناس كانوا يتسلّون معها ويضحكون من إدائها.
وبعد قليل، لاحظ مرقص جماعة من المسيحيّين وكذا من الرهبان، الذين كانوا قبلاً قرب العذراء يسبّحون الله، قد بدأوا بتخلية أمكنتهم، خاضعين لحبّ الفضول، ومتحوّلين إلى جماعة الغجر، منجذبين بما يقدّمونه من الهزل. وهكذا بدأ الجميع، رويدًا رويدًا، ينصرفون عن ذلك المجد، مجد العذراء، منضمّين إلى جماعة التّتر التي هي بالحقيقة شياطين خبيثة. إنّها رواية رهيبة مخيفة، ولكنّها، أيضًا، نبوءة حقيقيّة.
بقيت العذراء بمفردها مع الملائكة والقدّيسين ونفر قليل من الرهبان الصالحين والمسيحيّين المؤمنين، الذين طفقوا، بدون انقطاع، يمجّدون الربّ القدير. راح الراهب مرقص ينظر بحزن ومرارة إلى أولئك الذين تخلّوا عن العذراء ليغنّوا مع زمرة الشياطين.
فرح الراهب مرقص فرحًا عظيمًا في بداية الرؤيا عندما رأى العذراء تلمع أكثر من الشمس بهاء، والرسل القدّيسين مع الطغمات السماويّة يصلّون ويسبّحون الله، ولكنّ حزنه كان أعظم من فرحه، سيّما وقد اعتراه خوف ورعدة عندما رأى أولئك الجهلة من الرهبان والمسيحيّين يتركون ملكة السماء، مؤثرين صحبة جماعة الأشرار. لقد فضّلوا الأغاني البذيئة على التسابيح السماويّة، فضّلوا الشيطان على الله.
أرأيتم بأنّ هذا الذي نراه اليوم، ونعيشه، قد رآه قبل 700 سنة أو أكثر الراهب البسيط مرقص الذي يعيش في جبل آثوس. فعلاً إنّ حالتنا لرهيبة!!
No Result
View All Result