
إذا لم يتّضع الإنسان، فلَن يَصِل إلى سرّ الاعتراف
إذا لم يتّضع الإنسان، فلَن يَصِل إلى سرّ الاعتراف، ولن يمرّ عبر باب التواضع «الوضيع» هذا. عندما كانت اليونان تخضع للاحتلال العثماني، كان ثمّة بطريرك بارز منفيّ في جبل آثوس. في الخامس عشر من شهر آب، تكرَّم سيدتنا الفائقة القداسة في عيدها تكريماً مميّزاً في الجبل المقدس، ويجتمع الآباء من جميع أنحائه في كنيسة بروتاتون الكبيرة في العاصمة كارييس، لكي يسبِّحوا العذراء مريم، ويجلب النسّاك معهم أشغالهم اليدوية ويعرضونها للبيع.
كان من بين هؤلاء النسّاك أبٌ روحيٌّ قصير القامة، يبيع هو أيضًا أشغاله اليدوية. هذا كان أباً روحيّاً رائيًا ومختبِراً. قدِمَ نحوه البطريرك من بعيد، وحين مرَّ أمامه قال له: «يا أبي الروحيّ، سأزورك في منسكك».
فأجابه الأب الروحيّ قائلاً:
_ يا سيّدي البطريرك، إنّ بابي منخفض القبّة، ولا يمكنك الانحناء إلى هذا الحدّ.
– بلى. سأنحني.
– لا تستطيع لأن الباب منخفض القبّة وأنت طويل القامة. بهذا التلميح، جعله الأب الروحي يدرك أنه لن ينجح في الوصول إلى الاعتراف ما لم يتَّضع.
إنّ العوائق الرئيسة التي تمنعنا من التقدُّم إلى سرّ الاعتراف هي كبرياؤنا وغرورنا. يستولي الخزي على الإنسان، فيقول في نفسه: «كيف سأكشف خطاياي؟». ينبغي لنا بالأحرى أن نشعر بالخزي عندما نوشك أن نخطأ، فالخزي سيمنعنا في تلك اللحظة عن ارتكاب الخطيئة. أما عندما نحتاج إلى التقدُّم إلى هذا السرّ العظيم، سرّ الخلاص، فعلينا أن نُسرع بلا تأخُّر.
إذا شُخِّصَتْ إصابتنا بمرض السرَطان، وسمعنا بوجود اختصاصي أورام بارع في القطب الشمالي، فإننا سنبذل فورًا كل جهد ممكن لجمع المال المطلوب، ثم سنقصده لمعالجة مرضنا الجسديّ. لن نأخذ بعين الاعتبار الصعوبات والمتاعب والمصاريف، أو أيّ شيء آخر، بل سنترك كل شيء ونجري إلى هناك. سنتَّضع إذا كنّا سوف نتحسّن صحيّاً.
أما حين يهدِّدنا سرَطان الخطيئة بموت النفس، أفَلا يجب علينا أن نتجاهل كل شي (وظيفتنا وراتبنا والمسافة)، ونركض إلى مكان الاعتراف لنركع ونكشف جراحنا، ونتلقّى الدواء ونتحسَّن، ومن ثمّ ننجو من موت النفس الرهيب؟
نحن، كبشر، لا نعلم الوقت الذي سيجيء فيه الرب. لقد حذَّرنا قائلاً: «اسهَروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان» (متى ١٣:٢٥). يطلب منّا قائلاً: اركضوا، لا تُضيِّعوا الوقت، لأنكم لا تعلمون متى سيقرِّر الرَّبّ أن يأخذ حياتكم ويقودكم إلى تلك المحكمة المخوفة الهائلة التي لن يُعفى أحد من الوقوف أمامها.
(الشيخ أفرام الأريزونيّ_فنّ الخلاص العظة العاشرة: سرّ التوبة ص٩٩-١٠٠)
مجموعة مواضيع عقائدية وروحية
No Result
View All Result