
لماذا يقول كيرللس الأورشليمي: إنَّ شهداء السنوات الأخيرة سيكونون «فوق جميع الشهداء»؟
– ياروندا! لماذا يقول كيرللس الأورشليمي: إنَّ شهداء السنوات الأخيرة سيكونون «فوق جميع الشهداء»؟
– قديما كانت لدينا قامات مرتفعة رفيعة! أمَّا في هذا العصر فإننا نفتقر إليها. أتكلم في موضوع الكنيسة والحياة الرهبانية. كثرت اليوم الأقوال والكتب وندرت الأفعال. قديسو كنيستنا المجاهدون يثيرون إعجابنا دون فهم ما كابدوا وعانوا. ونحن لا نتعب لنفهم جهادهم ومكابداتهم ولا نبذل جهدًا للإقتداء بهم
لذا فإنَّ الله الصالح سوف ينظر بعين الاعتبار إلى الظروف الحاضرة والعادات التي نعيش فيها وبحسبها سوف يطالب. فإذا جاهدنا قليلاً فسننال إكليل المجد أكثر من القدماء.
كانت الروح الجهادية متغلغلة في النفوس وكان كل واحد يحاول أن يماثل الآخر فلم يستطع الشر والإهمال أن يثبتا. وكان الصلاح عميمًا والروح الجهادية حاضرة فباء المتهاون بالفشل لأنَّ المجاهدين كانوا يدفعونه ويرمونه على الهامش بقوة.
ففي إحدى المرات كنت في تسالونيك أنتظر مع جموع غفيرة إشارة السير الضوئية لكي نعبر الشارع. شعرت في إحدى اللحظات بموجة تدفعني إلى الأمام لأنَّ الجميع كانوا ينوون الذهاب في ذلك الاتجاه، وحالما رفعت رجلي بادرت متقدمًا. ما أريد قوله هو التالي: عندما يريد الكل الذهاب إلى موضع ما فإنَّ المتردد يشعر بصعوبة لكنك تراه مدفوعًا للقيام بذلك والذهاب معهم في ذلك الاتجاه.
في أيامنا هذه إذا أراد الواحد أن يحيا حياة روحية شريفة فإنَّه يواجه صعوبات جمة وكأنَّه لا يجد مكانًا له في هذا العالم الفسيح. وإذا لم ينتبه ويتماسك فإنَّ تيار الفساد سيجرفه. قديمًا كان تيار الصلاح والفضيلة والقدوة الحسنة هو المسيطر. وكان الشر يغرق في لجة الصلاح العميم، ولم تكن التجاوزات الصغيرة التي تحصل في العالم والأديار لتظهر للعيان ….
أما الآن فماذا يحصل؟ المثال السيء هو الطاغي والصلاح قليل مزدرى به. لقد تبدلت الأحوال وحصل العكس أو أنَّ الصلاح القليل يغرق في خضم الشر الكثير، ولهذا يسود الشر. إن كان هناك إنسان كامل سليم معافى تعتمل في نفسه الروح الجهادية فإنَّه يساعد الآخرين كثيرًا إذ لا ينفع نفسه وحسب بل يؤثر ويساعد الآخرين. والعكس صحيح أيضًا، فالمتواني يؤثر في الآخرين فيتوانون. لذا فإنَّ الروح الجهادية سوف تبدد ذلك التواني الحاصل. وينبغي علينا الإحتراس لأنَّ الناس في عصرنا الحاضر قد أقاموا نواميس متوانية وراحوا يفرضونها على المجاهدين. هؤلاء المجاهدون مقارنةً مع العالميين ومع الروح العالمية، يرون ذواتهم وكأنَّ القداسة قد لبستها فيقعون في التهاون ويصبحون أسوأ من جميع العالميين. ففي الحياة الروحية يختار المرء القديسين قدوة له ونموذجًا. حسن أن يأخذ الواحد فضيلة ويبحث عن القديس الذي اقتناها ويدرس حياته فسيرى أنه لم يفعل شيئًا فيتواضع. الذين يركضون في المضمار لا يتطلعون إلى الوراء لمشاهدة الآخرين لأنهم إن فعلوا ذلك سيتأخرون عنهم.
ضميري يتنقى عندما أتشبه بالمتقدمين. لكن عندما أعاين المتخلفين أجد عندها تبريرًا لنفسي واحتقارًا لأخطائي مقارنة مع أخطائهم فيهدأ فكري لأنّ هناك من هم أدنى مني. وعلى هذا النحو أخنق ضميري فيمسي قلبي مُجَصَّصًا فاقد الحس.
(القديس باييسيوس الآثوسي)
No Result
View All Result