
كنيسة مار نقولا (طرابلس)
نشير في البداية إلى اسم الكنيسة الرّسميّ هو كنيسة “السّيّدة ومار نقولا”، لكنّ المؤمنين دارجوا على تسميتها بكنيسة “مار نقولا” الّذي اعتادوا أن يطلبوا شفاعته عند حجّهم إلى القدس. وقصّة بناء هذه الكنيسة مميّزة بعنصرين مرتبطين بالمسلمين.
كان للأرثوذكس كنيسة باسم “السّيّدة ومار نقولا” بالقرب من قلعة طرابلس، حيث كان لهؤلاء حضور كثيف. ولكن، لمّا انتقلت أغلبيّتهم للسّكن في منطقة التربيعة، الّتي تقع في الشّمال الغربيّ من المدينة، سلّموا المسلمين كنيستهم وأخذوا بدلًا منها مصبنة واقعة في حارة النّصارى.
هي أقدم الكنائس الأرثوذكسية في طرابلس. وبناؤها القديم كان في موضع غير موضعها الحالي اليوم؛ ذلك أنّها كانت ملاصقة لجامع الأويسية من الجهة الغربية. وقد ورد ذكرها في سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس منذ تاريخ 1077هـ/1666م. ويبدو من طراز بنائها أنّها قديمة تعود إلى العهود المملوكية. فهي كنيسة صغيرة لا تزيد مساحتها عن عشرين متراً تقريباً، وهي عبارة عن عقد واحد.
تاريخ
وكان بناء الكنيسة القديمة قريباً من سكن الأرثوذكس في طرابلس. وفي القرن التاسع عشر، وبعد أن أصبح تجمّع الأرثوذكس في مناطق التربيعة وحارة النصارى، بدت هذه الكنيسة بعيدة عن أماكن سكنهم. فاجتمع رؤساء الطائفة، وارتأوا تغيير موضعها، وبناء كنيسة جديدة، عوضاً عنها، وأرسلوا بطلب الإذن بذلك من الدولة العثمانية. وقد وافقت الدولة على ذلك وصدر في العام 1809 فرماناً بالموافقة، في مدّة ولاية يوسف باشا الكنج على طرابلس، ومتسلميّة علي بك الأسعد المرعبي. وبناء على ذلك تمّ الاتفاق بين النصارى والمسلمين من أبناء المدينة، على استبدال الكنيسة القديمة بمصبنة في محلة التربيعة، كانت في الموضع نفسه الذي أقيمت فيه كنيسة مار نيقولاوس التي نعرفها اليوم في شارع الكنائس. وبوشر ببناء الكنيسة في العام 1809. أما الكنيسة القديمة التي كانت ملاصقة لجامع الأويسية، فقد تمّ تحويلها بعد أن آل أمرها إلى المسلمين، إلى مصلى عُرف بجامع السروة، ثم صار إلحاقه بجامع الأويسية بإزالة الحائط الفاصل بينهما، وهو اليوم يشكّل جزءاً من جامع الأويسية، ويمكن تمييزه عنه لأن أرضه ما تزال مرتفعة نسبياً عن أرض الجامع. وقد روى لنا السيد عبد الله غريب في تاريخه المخطوط تفصيل بناء هذه الكنيسة. ولا بأس في نقل روايته هنا، لنقف على ذلك الشعور النبيل الذي أحس به بعض وجهاء المسلمين في طرابلس تجاه إخوانهم النصارى، فارتفعوا فوق مستوى الحزازات الطائفية، وبذلوا ما في وسعهم لمساعدة إخوانهم على إنجاز بناء كنيستهم، فسطّروا بذلك صفحة رائعة من تاريخ الإنسانية والمحبّة والإخاء. وإليك رواية عبد الله غريب بنصّها الحرفي:
“صدر الفرمان السلطاني ببناء كنيسة مار نقولا على مساحة أقلّ من مساحتها المبنية، وعليه زادوا على البناء المأذون به من السلطة مساحة هيكل مار جرجس الذي بيسار الكنيسة. وإذ رجل فاسد الأخلاق[6] ذهب لعند الحاكم ووشى له على أبناء طائفته بأنّ مساحة الكنيسة هي أزيد من المساحة المأذون بها بموجب الفرمان. فغضب الحاكم وقرّر أن يحضر بذاته لمحل بناء الكنيسة ويحقق بنفسه عن هذا التعدي ضد الفرمان. فشعر المرحوم جد جدي إلياس غريب بهذا الأمر؛ فحالاً إجتمع بحضرة المفضال الشيخ المرحوم رشيد الميقاتي، وأخبره القضيّة بأنّ أحد سفلة الطائفة الأرثوذكسية من بيت دده، فسد على الطائفة للحاكم بخصوص بناء الكنيسة وترجاه بأن يدبّر الأمر بما يرتئيه من الحكمة وحسن التدبير. فطيب خاطره ووعد بأنه “أي الشيخ” يحضر مع الحاكم للكشف على الكنيسة، ولكن إذا اقتضى الأمر، والضرورة أحوجته لشتم المعمارية ومسبّتهم وإهانتهم لا أحد يزعل منه، بل يكون ذلك لسياسة حيث يقول المثل: “تعال ضدي وخلّصني، ولا تجي معي وتشركلني”. فثاني يوم حضر الحاكم ومعه الشيخ وبعض أرباب الحلّ والعقد للكشف على الكنيسة. فتناول التحقيق الشيخ وحده وانتهر المعمارية قائلاً لهم:
يا كفّار، يا قليلي الحياء، أنا كنت أعطيتكم حبالاً قياس الكنيسة، أين هو الحبل؟ فابتدأ المعمارية يتظاهرون بالتفتيش على الحبل، فوجدوه بحوذة الماء. ومن عادة وطبيعة الحبال إذا وضعت بالماء، تنكمش ويقصر طولها. فأخذ الحبل وقاس مساحة البناء، ولّما رآها مقصّرة قليلاً لوجودها بالماء، التفت نحو الحاكم ووشوشه في أذنه، بأنّ المسيحيين ما زادوا على المساحة المعطاة لهم، ويبنوا ضمن المأذونية الممنوحة لهم. ثمّ التفت نحو المعمارية والعملة صارخاً بهم، يا ملاعين إياكم ثم إياكم أن يخطر على بالكم أن تزيدوا شبراً واحداً عمّا هو الحبل. وانصرف الحاكم ورجال الحكومة، وكُمّل بناء الكنيسة بهذه الصورة، أربع هياكل أي خلافاً لبناء الكنائس التي جميعها مبنية من ثلاث هياكل. وأمّا هيكل مار جرجس فهذا هو الزيادة، ولا بأس من بيان تاريخ هذه الكنيسة فأقول: كانت الكنيسة المختصّة بالطائفة الأرثوذكسية هو جامع السروة الكائن في محلّة الصاغة على شمالي طلعة القلعة. وكانت هذه الكنيسة ضمن البيوت الإسلامية، منفردة عن حارات النصارى، سيّما أيام المواسم والأعياد الإحتفالية. فصارت كأنّها في منعزل عن المسيحيين. وحصل نوعاً ما ضيق وحجز حريّة في إقامة الحفلات. إرتأت الطائفة أن يصير المبادلة بين الطائفتين الإسلامية والأرثوذكسية. فالإسلام استلموا الكنيسة وجعلوها جامعاً بعدما إستلمت النصارى محتويات الكنيسة من أيقونات وخلافها، واستلمت مصبنة وعمّرت في أرضها كنيسة مار نقولا. وبذلك أصبحت المصبنة كنيسة والكنيسة جامعاً. وأوّل طفل إعتمد (عمّد) في جرن معمودية كنيسة مار نقولا هو جدي عبد الله غريب، وأول طفل إعتمد في جرن معمودية مار جرجس هو كاتبه عبد الله غريب، فهذه صدفة من أحسن الصدف
البناء
وشر بناء الكنيسة في العام 1809 , وفق النمط المزيج المشرقيّ والطراز ب أربع حنيَّات اما البنية فهي سريريَّة مكسورة وقناطر طوليَّة وقد أٌضيف الرواق عليها في العام 1940, ُورمِّمت في العام 2005. اما زخرفتها الخارجيّة فهي: جرسيَّة مزخرفة وأقواس مزدوجة كاملة نوافذ بفتحتَين أو ثلاث فتحات تعلوها أقواس مزدوجة كاملة باب المدخل مقوَّس فتحات على شكل صليب -وزخرفتها الداخليّة فهي: أيقونسطاس على نمط الأبلق مع صلبان ونجميَّات عارضة الأيقونسطاس والعرشان الأسقفيَّان من الخشب المنحوت والمطلي بعدَّة ألوان على النمط الباروكيِّ وهي تتميز بأيقوناتها وجداريّاتها: أيقونات ملوكيَّة وأيقونات العارضة التي تعلوها وأيقونة الابتهال رسمها ميخائيل بوليكرونيس كردلي بين العامين 1815 و1816 على الجدار الشماليِّ والجنوبيِّ، جداريَّة البشارة وجداريَّة دخول السَّيِّد إلى الهيكل رسمهما ميخائيل سولونياس في العام 1968
كان سقف الكنيسة سبب إزعاج للمؤمنين، فأعيد بناؤه مرّتين، ولذلك ترى سقف صحن الكنيسة حاليًّا، حيث يصلّي المؤمنون، وقد صنع من الإسمنت على شكل أنبوب، أمّا سقف الهيكل فلا يزال من الحجر كما بناه الأوّلون.
وللكنيسة أيقونسطاس من خشب مزخرف، وتمتاز بأيقوناتها الخلّابة ذات الطّابع الشّاميّ، وبجوّها الدّافئ الخشوعيّ.


No Result
View All Result