
وداع عيد الفصح
في الزمن الخمسيني وبعد أربعين يوماً من عيد القيامة المجيدة، تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بما يُسمّى “وداع عيد الفصح”، وهو بالواقع وداع طقسيّ ليترجيّ لا أكثر، لأن قيامة المسيح هي أساس حياتنا الملكوتيّة (الحياة في الله)…
فترتل في هذا اليوم خدمة القيامة كاملة، وكأن الفصح قد بدأ الآن فالفصح في العمق هو عيد أبدي، بل هو عيدنا الأبدي.
نحتفل في هذا اليوم أيضاً بذكرى آخِر يوم لحضور الرب يسوع بالجسد بين تلاميذه، لذلك تقام في هذا اليوم خدمة عيد الفصح كاملة( ما عدا الهجمة وتبريك البيض). يوم الخميس الذي يلي وداع عيد الفصح نكون قد وصلنا الى الأربعين المقدسة بعد الفصح، ففيه نعيّد لصعود ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح بالجسد الى السماء.
بين أحد “القيامة المجيدة” وخميس “الصعود المجيد” مدّة أربعين يوماً، تعيش الكنيسة “عروس المسيح” خلالها في أجواء الفرح النابع مِن حدث “قيامة عريسها الثُلاثيّة الأيام”، عيد هو الأعظم في سلسلة أعياد السنة الطقسيّة ومحورها في الوقت نفسه… ويُمكِن القول إن هذه “الأربعينيّة” هي بمثابة “يوم قياميّ طويل”، فيه يُحيّي المؤمنون بعضهم بعضاً بهتاف “المسيح قام”، ليَرُدّ مُتلقّي التحيّة ب“حقاً قام”، في إعلان إيمانيّ يختصر فعليّاً الكرازة الإنجيليّة بكاملها، وتتفرّع منه كلّ مضامين “الحياة الجديدة بالمسيح”… كما تُنشِد الكنيسة طروباريّة العيد الشهيرة “المسيح قام مِن بين الأموات…” مراراً وتكراراً دون تَعَب أو ملل، ولا يكون هناك صوم أو قطاعة البتّة “لأن العريس لم يُرفَع بعد” (مر 2: 20) و(لو 5: 35)…
القيامة هي “الحدث” المحوريّ في حياة الكنيسة، وبالتالي فإن عيد “القيامة المجيدة” (كتذكار سنويّ) هو “العيد” المحوريّ في السنة الطقسيّة وفي الحياة الليترجيّة… على أساسه، تنتظم دورة الأعياد كلِّها، ولا سيّما “المُتنقِّلة” منها (مِن زمن “التريوذي”، إلى زمن “البندكستاري”، فزمن “العنصرة”)، خاصّةً إذا وضعنا نُصبَ أعيننا، أننا نسير على مدى السنة الطقسيّة كلِّها، مع المسيح في حياته وكرازته “الملكوتيّة” وفي موته وقيامته… بكلمة، التدبير الخلاصيّ بكامله.
وفيما نُودِّع اليوم عيد “القيامة المجيدة” كمحطّة “يوبيليّة” سنويّة (بمعنى الفرح الإحتفاليّ)، لا يغيب عن بالنا طبعاً أن “القيامة” هي في الأساس موعد (تذكار) أسبوعيّ، سارَت على أساسه الكنيسة منذ نشأتها،
ختاماً، كما في اليوم الأوّل للعيد، كذلك في يومه الأخير…
إن هذا اليوم البهيّ والسَنِيّ، هو يوم إنتصار الحبّ الإلهيّ على الجحود البشريّ، يوم عودة “آدم وذرّيّته” إلى الفردوس المفقود، يوم إنتصار مفاعيل الطاعة للمشيئة الإلهيّة على مفاعيل عصيانها، يوم الرجاء للجنس البشريّ بأجمعه، يوم لم يَعُد الموت “نهاية كلّ شيء”، يوم إتمام التدبير الخلاصيّ بإمتياز، يوم “العرس الملكوتيّ” الذي لا نهاية له، اليوم الذي إنتظرته الأجيال قاطبةً…
على هذا الأساس، “نُودِّع” اليوم عيد “القيامة المجيدة”، ومِلؤنا الفرح النابع مِن الرجاء الذي لا يخيب، مُهلِّلين ومُنشِدين للسيّد القائم مِن الموت، مُبدِىء حياتنا… وهل أجمل مِن أن نختم بقطعة مِن خدمة العيد نفسها؟؟؟
لذلك، إخترتُ قطعة “الذوكصا كانين” مِن “الفِصحيّات”، لإحتوائها على روحيّة “الصفح والغفران” (الفِصح والصَفح والمُصافحة)، كما لإحتوائها على طروباريّة العيد نفسها:
” اليوم يوم القيامة، فلنتفاخَر بالمَوسم، وليُصافِح بعضنا بعضاً. ولنقُل يا إخوة: لنَصفَح لمُبغضينا عن كلّ شيء في القيامة. ولنهتِف هكذا قائلين: المسيح قام مِن بين الأموات، وَوَطِىء الموت بالموت، وَوَهَبَ الحياة للذين في القبور”.
نقاط هامة في وداع العيد هي:
– لا نُعّيد لوداع الفصح، لنقول أن الفصح قد انتهى، فالفصح في العمق هو عيد أبدي، بل هو عيدنا الأبدي.. والخوف أن نشوهه بتراخينا لشهواتنا.. فصحنا لا ينتهي، بل يستمر في توبتنا وقيامتنا من قبر يأسنا..
– قيامتنا مستمرة في كل مرة نحمل فيها بعضنا أثقال بعض.
– قيامتنا مستمرة عندما لا نتعاقد مع وضعنا الخاطئ.. وأن تكون عندنا، على الأقل، النية الصادقة للخروج من خطيئتنا.
– قيامتنا مستمرة في كل مرة نحمل فيها صليبنا بفرح، فنصير يداً ممدودة للقريب وأخرى ممدودة للسماء. عندها تصير القيامة عيدنا اليومي والأبدي.. وحينئذ إذا قال لنا صديق: المسيح قام.. نجيبه، ولكن كالرجل العارف: حقا قام.
المسيحُ قامَ من بَيْنِ الأموات. ووَطِئ المَوتَ بالمَوْت. ووَهَبَ الحياةَ للذينَ في القبور.
No Result
View All Result