
إكليل الشوك يتكلّم
أظنّ أنّكم تعرفوني كلّكم، وأظنّ، أيضًا، أنّكم لا تحبّونني، لأنّي كنت وسيلة من وسائل تعذيب السيّد المسيح. كنت، دائمًا، متشائمًا أتساءل لماذا خلقني الله شوكًا يَخِزُ الآخرين ويسيل لهم دماءهم؟ تُرى ما الفائدة من وجودي؟ ولكنّي، مع ذلك، كنت أنتظر اليوم الذي أفهم فيه فائدة هذا الوجود. صحيح أنّي وخزت جبين مخلّص العالم، ولكنّي، رغم ذلك، كنت فخورًا، إذ توّجت هامة ملك الملائكة، وهذا شرف كبير جدًّا لم أكن أحلم به، ولم تحصل عليه أجمل الورود والأزهار ذات الرائحة الزكيّة!!
وفي أحد الأيّام، وجدت مجموعة من الجنود يقتربون منّي، وفوجئت بيد قاسية تمتدّ لتقتلعني من جذوري. وسمعت أحد الجنود يقول: “سيكون إكليلاً جميلاً ليسوع، سيكون رائعًا على رأسه”. فردّ عليه جنديّ آخر: “نعم، وبخاصّة عندما نرفعه على الصليب، ويراه جميع المحيطين به”. أنا لم أكن أعلم ما يجري، ولكنّي فهمت بعد ذلك عندما ضفروني ووضعوني على رأس المخلّص الإلهيّ، وأخذوا يضربوني بالعصا كي أجرح من جاء ليضمِّد جراحهم. كم تأسّفت لذلك، ولكنّي لم أستطع أن أعاند أو أحتجّ أو أعترض وأنتقد، فأنا مجرّد شوك حقير بين أيديهم يعملون بي ما يشاؤون.
ولم يكتفوا بذلك، بل أمروا ملك الملوك أن يحمل صليبًا ثقيلاً. ومن شدّة الآلام كانت النساء يبكين عليه. فنظر هو إليهنّ وقال لهنّ: “لا تبكين عليّ، يا بنات أورشليم، بل ابكين على أنفسكنّ”. ثمّ مضوا به إلى مكان يسمّى الجلجلة، وهناك صلبوه مع لصّين واحدًا عن يمينه والآخر عن يساره. وكم تألّمت عندما رأيت المسامير تنغرز في يديه ورجليه، وكم كانت دهشتي شديدة عندما علمت أنّهم لن يضفروا لهذين اللصّين إكليلاً مماثلاً لإكليله، وأردت أن أسأل، ولكن، طبعًا، لم يكن هناك من يجيبني. ثمّ سمعت اللصّ اليمين يقول له: “اذكرني، يا ربّ، متى جئت في ملكوتك”، وفوجئت بجواب الربّ يسوع: “الحقّ أقول لك اليوم تكون معي في الفردوس”. ما هذه الأقوال؟ إنّي لا أفهم شيئًا، ولكن حوّلت نظري لأرى ماذا سيفعل الجند أيضًا. وسمعت يسوع، بعد ذلك، يطلب المغفرة لصالبيه. يا له من رجل عظيم. إنّه يسامحهم. وفي هذه اللحظة بالذات، رحت أقارن نفسي معه كيف أنّي انزعجت عندما اقتلعوني بقوّة، واغتظت منهم، وأمّا هو فسامح!!!
ومرّت الساعات طويلة وحزينة، ولا زالت الدماء تسيل من جبين سيّدي بسببي أنا الشقيّ والمغبوط في آن. ثمّ سمعت السيّد يصرخ بصوت عظيم قائلاً: “يا أبتاه في يديك أستودع روحي”. وهنا ظننت أنّ القصّة انتهت، ولكنّي فوجئت مذعورًا، إذ حدثت هزّة عظيمة ركض على أثرها الجنود خائفين وجلين، وقال قائد المائة الذي كان يحرس السيّد: “حقًّا كان هذا ابن الله”. ماذا قال؟! ابن الله؟!! أكنتُ أنا، إذًا، إكليلاً لابن الله؟ أيّ شرف هذا؟!! بل أيّ فخر استحققته أنا الشوك!!! نعم، أنا كنت إكليلاً على رأس ملك الملوك المتألّم يسوع المسيح من أجلنا، ونلت بركة عظيمة لا توصف، ولكن، كلّ ما أعلمه هو أنّه تحمّل هذا كلّه من أجلك، أيّها الإنسان، ومن أجل خلاصك، فهل أنت أمين لهذه العطيّة؟!! لقد تقبّل ربّك الشوك، لكي يعلّمك ألاّ تخز أنت بشوك أقوالك ونظراتك من فداهم هو بدمه. أرجوك، أيّها الإنسان، ألاّ تجعل منّي إكليل شوك آخر تكلّل به هامة أخيك الإنسان بقساوتك وحقدك وكراهيّتك. أطلب منك، يا من تتنزّه في الحدائق، وترى الشوك يحمي الورود من المسيئين إليها، أن تكون أنت، هذه المرّة، شوكة صالحة تحمي قريبك من المسيئين إليه بمحبّتك ودفاعك عنه.
“أخوتي الأحباء”
أسألوا الفادي المصلوب من أجلنا، والذي كل إنسانٍ عليهِ أن يعيش معه ولإجله في كل وقتٍ، أن نتمثّل به ونقول لكلّ من يسيء إلينا: “يا أبتاه أغفر لهم” ، لأنّنا نحن، أيضًا، نسيء ونخطئ. يا أبانا الذي في السموات اغفر لنا جميعًا وأهّلنا بقوّة صليبك أن نحيا معك الآن وكل أوانٍ وإلى أبدِ الدهور…آمين
No Result
View All Result